شهدت الحدود بين أفغانستان وباكستان توتراً غير مسبوق، وسط تجدد الاشتباكات العنيفة بين قوات البلدين خلال الليلة الماضية، ما ينذر بانزلاق الأوضاع نحو مواجهة مفتوحة بين الجارتين اللتين تربطهما حدود تمتد لأكثر من 2600 كيلومتر، وتاريخ طويل من التوترات السياسية والأمنية.
وأكد مسؤول حكومي أفغاني أن “قواتنا خاضت اشتباكات عنيفة ليلة أمس مع القوات الباكستانية على الحدود جنوبي البلاد”، مشيراً إلى أن المعارك استمرت لساعات واستخدم فيها الجانبان الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.
ويأتي هذا التصعيد بعد أيام فقط من مواجهات سابقة بين البلدين، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، وأعقبها إغلاق تام لمعابر الحدود من قبل باكستان، وعلى رأسها معبر طورخم الإستراتيجي الذي يُعد شريان الحياة التجاري الرئيسي بين كابل وإسلام آباد.
شلل تجاري وتوتر إنساني عند المعابر
لليوم الثالث على التوالي، تواصل السلطات الباكستانية إغلاق جميع معابرها مع أفغانستان، ما تسبب في توقف حركة البضائع والمسافرين بشكل كامل. ويخشى التجار المحليون من أن يؤدي استمرار الإغلاق إلى خسائر فادحة، إذ تمر عبر طورخم معظم الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والسلع القادمة من ميناء كراتشي إلى الأراضي الأفغانية.
وقال أحد التجار المحليين للصحافة الأفغانية إن “العشرات من الشاحنات المحمّلة بالمواد القابلة للتلف عالقة على الحدود، ما يهدد بخسائر اقتصادية جسيمة للمستوردين والمزارعين على حد سواء”.
من جانبها، أفادت مصادر حكومية باكستانية بأن الأوضاع الميدانية لا تزال متوترة رغم إعلان كابل وقف عملياتها العسكرية، مشيرة إلى أن إسلام آباد كانت قد طلبت رسمياً إرسال وفد حكومي إلى أفغانستان لبحث الأزمة، غير أن الخارجية الأفغانية رفضت منح التأشيرات للوفد دون إبداء أسباب واضحة.
انفجارات في كابل وغارات جوية باكستانية
وفي خضم التوتر الحدودي، شهدت العاصمة الأفغانية كابل، الخميس الماضي، انفجاراً قوياً سُمع دويه في مناطق واسعة من المدينة. وأفادت تقارير محلية بأن طائرات حربية باكستانية نفذت غارة على منطقة مارغا في ولاية باكتيا، القريبة من الحدود الجنوبية مع باكستان.
واتهمت الحكومة الأفغانية باكستان بالوقوف وراء الانفجار، محمّلة إياها مسؤولية “الاعتداء على السيادة الأفغانية”، في حين التزمت إسلام آباد الصمت حيال تلك الاتهامات.
من جهته، أعلن الجيش الباكستاني مقتل 23 جندياً من قواته خلال الاشتباكات الأخيرة، بينما تحدثت السلطات في كابل عن مقتل 9 جنود أفغان في المواجهات، وهو ما يعكس حدة الصراع الذي لم يعد مقتصراً على تبادل الاتهامات السياسية.
وساطات إقليمية ومحاولات لاحتواء الأزمة
وفي محاولة لتهدئة التوتر، أعلنت الحكومة الأفغانية، الأحد الماضي، تعليق “عملياتها الانتقامية” ضد باكستان، استجابة لوساطة تقدّمت بها كل من قطر والسعودية. وأعربت كابل عن “تقديرها للجهود الإقليمية التي تسعى إلى منع اندلاع صراع شامل بين البلدين المسلمين”.
غير أن باكستان ترى أن جذور الأزمة لا تتعلق فقط بالاشتباكات الحدودية، بل بما تصفه بأنه “تواطؤ من الحكومة الأفغانية مع مسلحي حركة طالبان باكستان”، الذين تقول إسلام آباد إنهم ينفذون هجمات من داخل الأراضي الأفغانية. وهو ما تنفيه كابل بشدة، مؤكدة أن أراضيها “لن تكون منطلقاً لأي عمليات ضد دولة مجاورة”.
حدود طويلة ومصالح متشابكة
تتقاسم أفغانستان وباكستان حدوداً يبلغ طولها نحو 2640 كيلومتراً، وتضم عدداً من المعابر الحيوية التي تمثل شرياناً رئيسياً للتجارة والتنقل بين الشعبين. إلا أن هذه الحدود لطالما كانت مسرحاً للتوترات العسكرية، وتبادل الاتهامات بشأن دعم المجموعات المسلحة.
ويرى مراقبون أن استمرار الاشتباكات سيؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية في البلدين، خاصة في ظل حاجة أفغانستان الماسة للواردات الباكستانية من الغذاء والوقود، كما سيزيد من تدهور العلاقات الثنائية التي شهدت في الأشهر الأخيرة محاولات خجولة للتقارب.