تشهد مصر في الآونة الأخيرة أزمة اقتصادية متفاقمة، تترجمها أرقام صادمة كشف عنها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والبنك المركزي، لتضع الحكومة أمام تحديات مالية ونقدية غير مسبوقة.

فبينما تحاول الدولة جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز الصادرات للخروج من عنق الزجاجة، تتجه المؤشرات نحو مزيد من الضغوط على الموازنة العامة، مع اتساع العجز التجاري وتزايد أعباء الديون الخارجية.
 

أرقام تنذر بالخطر

وفق بيانات رسمية، ارتفع العجز التجاري بنسبة 20.3% في عام 2024، ليصل إلى 50 مليار دولار مقارنة بـ41.6 مليار دولار في 2023. جاء ذلك نتيجة ارتفاع الواردات إلى 95.3 مليار دولار بزيادة 13.2%، مقابل نمو محدود في الصادرات بنسبة 6.5% فقط، لتسجل 45.6 مليار دولار. وبذلك، أصبحت الفجوة بين الصادرات والواردات أوسع، وهو ما انعكس سلباً على الميزان التجاري والعملة المحلية.

الأخطر، أن معظم الصادرات المصرية تعتمد على مكونات مستوردة، ما يقلل من القيمة المضافة الفعلية لها، ويضع الاقتصاد أمام معضلة هيكلية مستمرة.
 

ديون تتصاعد بلا توقف

على جانب آخر، سجّل الدين الخارجي لمصر ارتفاعاً جديداً، إذ قفز من 162.9 مليار دولار نهاية ديسمبر/كانون الأول 2024 إلى 165.5 مليار دولار في مارس 2025، أي بزيادة 2.6 مليار دولار في ثلاثة أشهر فقط. هذه الزيادة تعكس ضغوطاً حقيقية على قدرة الدولة على السداد، خصوصاً أن وزارة المالية التزمت بدفع 30.1 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2024-2025.

يرى خبراء الاقتصاد أن خدمة الدين باتت تلتهم أكثر من نصف الموازنة العامة، ما يقلص بشدة الإنفاق على قطاعات أساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، ويترك الاقتصاد في حالة هشاشة مقلقة.
 

أزمة بنيوية وتوقعات قاتمة

تحذيرات الاقتصاديين تتواصل، إذ يتوقع بعضهم أن يتجاوز العجز التجاري حاجز 200 مليار دولار خلال ثلاث سنوات إذا لم تُطبق خطط جذرية لتوسيع الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات. يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة المنوفية، محمد البنا، إن تفاقم العجز مع تضخم فوائد وأقساط الديون يقوّض قدرة الحكومة على الاستثمار في الصناعة والزراعة، ما يجعل تقليص الواردات هدفاً بعيد المنال.

كما يشير محللون إلى أن استمرار الضغوط على الاحتياطي النقدي، مع ضعف القدرة التنافسية للصادرات، قد يؤدي إلى خفض إضافي في قيمة الجنيه، وهو ما قد يدخل الأسواق في موجة جديدة من الاضطراب.