رغم الحملة الإعلامية حول سياسة التيسير النقدي التي أطلقها البنك المركزي المصري في أبريل 2025، إلا أن نتائج الشركات المدرجة في البورصة المصرية للنصف الأول من العام كشفت أن الوعود الرسمية لم تتحقق فعليًا. يشير عمرو الألفي، رئيس قطاع استراتيجيات الأسهم في شركة "ثاندر"، إلى أن “الأثر الكلي للإجراءات سيحتاج عدة أرباع قبل أن ينعكس فعلاً على نتائج الأعمال”، وهو ما يُسلّط الضوء على حجم الفجوة بين الواقع الاقتصادي وخطاب البنك المركزي.
 

أعباء التمويل ترتفع

توثّق القوائم المالية لعينة من عشر شركات تنوعت بين الصناعات الغذائية، الإسكان، الكيماويات، التمويل، والقطاع الطبي، ارتفاعًا واضحًا في المصروفات التمويلية رغم خفض الفائدة مرتين بإجمالي 3.25%. يوضح أحمد عبد النبي، رئيس قسم البحوث بشركة "مباشر"، أن “الاستفادة الفعلية من خفض سعر الفائدة تستغرق وقتًا، حيث تلجأ الشركات بعد ذلك لإعادة ترتيب هيكل الدين والدخول في تعاقدات جديدة للاستفادة من الظروف الاستثمارية المتغيرة”. لكنه ينتقد تأخر الأثر العملي لهذه الخطوات، في ظل احتياج الشركات لتمويلات عاجلة لا يمكن إرجاؤها.

يرى مصطفى شفيع، الخبير المالي ، أن “عددًا من الشركات وغالبًا في قطاع العقار والصناعة توسعت في الاقتراض مطلع 2025، حين كانت أسعار الفائدة لا تزال مرتفعة، ما أدى إلى تضاعف الأعباء المالية بدلاً من التخفيف عنها”. يشير شفيع إلى حالات محددة، مثل "بالم هيلز" التي ارتفعت القروض البنكية لديها بـ25% و"سيدي كرير للبتروكيماويات" التي زادت مديونيتها بنحو 60% بالنصف الأول من العام، ما جعل الفوائد المتضخمة تلتهم جزءًا كبيرًا من النمو التشغيلي المتوقع.
 

هوامش الربحية... وهل تكفي الأرباح لتغطية الفوائد؟

يضيف شفيع أن الخطر لا يكمن دائمًا في زيادة المصروفات التمويلية، بل في قدرة أرباح الشركة على تغطيتها: “هامش الربح التشغيلي يجب أن يكون أعلى من أعباء الفوائد، وإلا ستجد الشركات نفسها في دوامة مديونية خطيرة لا يتحملها مناخ السوق الحالي." تظهر الأمثلة أن شركات مثل "مصر لصناعة الكيماويات"، بفضل نشاطها التصديري، تمكنت من تغطية تكاليف التمويل بأرباح تفوق قيمة هذه التكاليف أكثر من 17 مرة، بينما تواجه شركات أخرى مثل "بلتون" وضعًا خاصًا، إذ ترتفع مصروفاتها التمويلية إلى 2.7 مليار جنيه، لكنها تغطيها بإيرادات تمويلية ضخمة بحكم كون النشاط المالي هو تخصصها الرئيسي.

وفي قطاعات أخرى، مثل الأغذية، يبرز أحمد جمال، المحلل المالي أن "شركات مثل جهينة وإيديتا لجأت مؤخرًا لتكثيف الاستدانة لتمويل التوسعات أو إعادة الهيكلة، مما أدى لارتفاع القروض بشكل لافت في وقت لم تكن فيه الفائدة قد انخفضت فعليًا بعد".
 

تخبط حكومي... وحلول بعيدة المدى

إزاء هذه الحقائق، ينتقد عمرو الألفي الأداء الحكومي بقوله: “خطة الخفض لا تزال شكلية أكثر منها عملية، فالتباطؤ في نقل سياسات المركزي إلى واقع الشركات أضعف الأثر المتوقع وساهم في تجميد حركة الاستثمارات.” كما يجمع عبد النبي والألفي وشفيع على أن خفض الفائدة قد يحمل بعض المؤشرات الإيجابية مستقبلاً، لكن التسرع الحكومي في الإعلان عن فاعليته يندرج تحت إطار الدعاية لا الواقع، وهو ما يجعل الكثير من الشركات عالقة في مواجهة تكلفة تمويل مرتفعة بلا حلول قصيرة الأجل سوى الصبر أو التوسع على حساب الربحية.

النتيجة النهائية، بحسب اتفاق الخبراء، أن خفض الفائدة فقد كثيرًا من زخمه بسبب غياب الخطط الحكومية الشاملة والتركيز على الأثر الإعلامي بدلاً من السياسات الفعالة. وعلى عكس التوقعات الرسمية، وجدت الشركات نفسها أمام أعباء تمويلية أكبر، وهوامش ربحية ينخر فيها الفائدة، مع ضبابية في أفق التيسير النقدي ما لم تقرن الخطوات بخطة تنفيذ واقعية وشفافة.