في مشهد احتفالي رسمي، افتتح أمس وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور شريف فاروق، برفقة اللواء بهاء الغنام رئيس جهاز "مستقبل مصر"، ثلاثة فروع مطوَّرة للمجمعات الاستهلاكية تحت العلامة التجارية الموحدة "كاري أون". وبينما تؤكد الحكومة أن هذه الخطوة تأتي في إطار تطوير منظومة التجارة الداخلية وضبط الأسواق، يراها اقتصاديون حلقة جديدة في مسلسل التوغّل العسكري داخل مفاصل الاقتصاد المدني، بما يهدد فرص القطاع الخاص ويضعف المنافسة العادلة.

 

توسيع نفوذ جهاز "مستقبل مصر"

المشروع، بحسب وزارة التموين، يستهدف تحديث شبكة المنافذ الحكومية لتقديم السلع بجودة أعلى وأسعار تنافسية. غير أن المراقبين يشيرون إلى أن إشراف جهاز "مستقبل مصر" — المرتبط بالمؤسسة العسكرية — على هذه المنافذ يعكس اتجاهًا راسخًا لزيادة سيطرة الجيش على قطاعات الاقتصاد المدني، من الإنشاءات إلى الزراعة والتجارة والخدمات.

دراسة "كارنيغي للسلام الدولي" : أوضحت أن المؤسسة العسكرية باتت لاعبًا مهيمنًا في مختلف القطاعات الاقتصادية، من الصناعات الثقيلة إلى السلع الاستهلاكية. هذه السيطرة، وفق التقرير، تفتقر إلى الشفافية والرقابة المدنية، وتخلق اقتصادًا موازياً منفصلاً عن المساءلة العامة.

 

مخاطر على المنافسة والقطاع الخاص

رجال أعمال وخبراء اقتصاديون يحذرون من أن دخول المؤسسة العسكرية إلى مجال التجارة الداخلية يُفاقم مناخًا غير عادل في السوق.

رجل الأعمال نجيب ساويرس كان قد انتقد علنًا هذا التوسع، قائلاً إن وجود الجيش في الاقتصاد يفرض منافسة غير متكافئة، حيث تتمتع مؤسسات الدولة بامتيازات تمويلية وضريبية لا تتاح للقطاع الخاص.

ويضيف خبراء أن هذه السياسات تدفع المستثمرين إلى التراجع أو الخروج من السوق، خشية منافسة غير نزيهة، ما ينعكس سلبًا على الاستثمارات وفرص العمل.

 

غياب الشفافية وعبء على الخزينة

التوسع العسكري في الاقتصاد، بحسب خبراء، يتم في ظل غياب الشفافية والمساءلة. فالمشروعات الضخمة تُدار بعيدًا عن أعين البرلمان أو الأجهزة الرقابية، ما يفتح الباب أمام الفساد وسوء إدارة الموارد.

دراسة "كارنيغي" أكدت أن الأصول التي يديرها الجيش قد تتحول إلى "رأسمال جامد" غير منتج، يستهلك موارد الدولة دون عوائد ملموسة. وفي حال تعرض هذه المشروعات لخسائر، تتحمل الخزانة العامة العبء، مما يزيد الضغوط على الموازنة ويضاعف أعباء الديون.

 

أهداف سياسية أكثر من اقتصادية

يرى اقتصاديون أن المشروعات الاقتصادية التي تقودها المؤسسة العسكرية لا تُدار بمنطق التنمية أو الجدوى الاقتصادية، بل غالبًا لأهداف سياسية ورمزية.

تقرير مركز الجزيرة للدراسات أشار إلى أن تدخل الجيش بعد 2013 امتد إلى المقاولات الضخمة وتجارة السلع الأساسية كوسيلة لتوسيع الحضور السياسي والأمني، وليس لدعم التنمية المستدامة.

ويقول الكاتب إبراهيم عثمان إن مصر "تتخبط بين مصالح المنقذين وتوغّل الجيش في الاقتصاد"، مؤكدًا أن هذا التداخل يفاقم أزمات مثل البطالة والعجز التجاري، ويحول دون أي إصلاح اقتصادي حقيقي.

 

أصوات معارضة وتحذيرات دولية

في الوقت الذي تروّج فيه الحكومة لمشروعات "كاري أون" باعتبارها إنجازًا، تتصاعد التحذيرات من الداخل والخارج بشأن خطورة استمرار هذا المسار.
معهد كارنيغي شدد في دراسته على أن "العسكر في أفضل الأحوال هم جنود جيدون لكنهم اقتصاديون سيئون"، وأن استمرار تغوّل الجيش في الاقتصاد يقوّض فرص التنمية ويُعيق المنافسة الطبيعية.

أما تقارير إعلامية غربية فذكرت أن النظام المصري قدّم وعودًا لصندوق النقد الدولي بتقليص دور الجيش في الاقتصاد، غير أن الواقع يشير إلى توسع متواصل يصعب كبحه بسبب نفوذ المؤسسة العسكرية ومصالحها المتجذّرة.

وختاما فافتتاح فروع "كاري أون" ليس مجرد تطوير لشبكة منافذ بيع حكومية كما تروج الحكومة، بل خطوة جديدة في مسار طويل من سيطرة المؤسسة العسكرية على قطاعات الاقتصاد المدني. ومع كل توسع جديد، يزداد الخوف من إقصاء القطاع الخاص، وغياب المنافسة العادلة، وتفاقم الأعباء على الدولة والمجتمع.

وبينما تُصوَّر هذه المشاريع كإنجازات لصالح المواطن، يرى خبراء ومعارضون أنها في الحقيقة تعمّق أزمة الاقتصاد المصري، وتحوّله إلى أداة بيد السلطة الأمنية، بعيدًا عن متطلبات التنمية المستدامة ومصلحة المواطنين.