أعلنت وزارة التخطيط مؤخرًا ارتفاع معدل النمو الاقتصادي إلى 5% في الربع الرابع من العام المالي 2024-2025 مقارنة بـ2.4% في نفس الربع من العام السابق، ليصل المعدل السنوي إلى 4.4%.
لكن هذه الأرقام التي تحتفي بها الحكومة تصطدم بواقع يعيشه ملايين المصريين، حيث الفقر يتعمق، والبطون الخاوية تتزايد، والأسعار تواصل تحطيم مستويات قياسية.
يطرح ذلك تساؤلًا أساسيًا: هل هذه مؤشرات حقيقية للنمو أم مجرد بيانات تُستخدم لتجميل الصورة أمام الداخل والخارج؟
أرقام للتصدير الخارجي لا للاستهلاك المحلي
تروج الحكومة لأرقام النمو كدليل على نجاح سياساتها الاقتصادية، بينما يرى المواطن البسيط أن حياته اليومية لم تتغير إلا نحو الأسوأ. هذه البيانات تخدم غالبًا غرضًا سياسيًا أكثر من كونها انعكاسًا لحقيقة الاقتصاد.
يقول د. رشاد عبده – رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية.: "البيانات الحكومية لا تصف الواقع، بل تصنع رواية لطمأنة المؤسسات الدولية. المواطن لا يأكل نسب النمو، بل يعاني من الجوع والغلاء."
الفقر يتسع رغم "النمو"
مع ارتفاع الأسعار وتراجع الدخول الحقيقية، ازداد عدد المصريين تحت خط الفقر. بينما تتحدث الحكومة عن نمو اقتصادي، تشير تقارير غير رسمية إلى أن نسب الفقر تجاوزت 35% من السكان، ما يفضح التناقض بين الأرقام المعلنة والواقع الاجتماعي.
يوضح الدكتور أحمد ذكر الله أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر. "النمو في مصر غير شامل، يذهب إلى قلة تملك النفوذ والمال. أما الغالبية الساحقة فهي محاصرة بالبطالة وارتفاع الأسعار، وهو ما يجعل إعلان الحكومة عن إنجازات مجرد وهم."
التضخم يلتهم أي مكاسب
حتى لو تحقق نمو في الناتج المحلي، فإن التضخم المرتفع يبتلع أي أثر إيجابي. أسعار السلع الأساسية والدواء والإيجارات قفزت بشكل جعل المواطن غير قادر على تغطية احتياجاته.
يقول الخبير الاقتصادي زياد بهاء الدين: "الحكومة تتجاهل أن التضخم عند مستويات خانقة. إذا كانت الأسعار ترتفع بنسبة تفوق النمو، فهذا يعني أن حياة الناس تتدهور رغم الأرقام الرسمية."
استثمارات في غير محلها
تتجه معظم الاستثمارات الحكومية نحو مشروعات عقارية وبنية تحتية ضخمة مثل العاصمة الإدارية الجديدة، في حين يتم إهمال القطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة التي توفر وظائف حقيقية وتحارب الغلاء.
يؤكد الخبير الاقتصادي رشاد عبده: "الدولة اختارت أن تبني مدنًا وأسوارًا بينما المواطن لا يجد قوت يومه. هذه سياسة انحياز للأغنياء على حساب الفقراء."
الحاجة إلى شفافية وإصلاح جذري
المطلوب ليس الإعلان عن نسب نمو مبهرجة، بل مواجهة الواقع بصدق، وإصلاح السياسات الاقتصادية بما يخدم المواطن مباشرة. الشفافية في عرض الأرقام وتوجيه الموارد نحو الصحة والتعليم والغذاء هي الخطوة الأولى نحو استعادة الثقة.
وختاما فإن الفجوة الصارخة بين بيانات وزارة التخطيط وواقع المصريين تكشف عن أزمة مزدوجة: أزمة اقتصاد مأزوم، وأزمة ثقة في حكومة تصر على التجميل بدل المواجهة. وبينما تعلن الدولة عن نمو يفترض أن ينعكس رخاءً، يعيش المواطنون تحت وطأة فقر متزايد وجوع متفشٍ. في النهاية، لا تُقاس التنمية بعدد الطرق والكباري ولا بنسبة النمو على الورق، بل بقدرة المواطن على ملء سلة طعامه وتوفير مستقبل كريم لأطفاله.