لم تتوقف ماكينة الإعلام الموالي للسيسي عن البحث عن "عدو داخلي" تُلقي عليه المسؤولية عن الأزمات المتلاحقة التي تعصف بالبلاد. ومع تفاقم الغلاء والانهيار الاقتصادي، وجد الإعلاميون المقرّبون من السلطة، وعلى رأسهم أحمد موسى، في السوريين المقيمين بمصر هدفًا جديدًا لحملاتهم التحريضية. إذ أعادوا تداول فيديو قديم أو مفبرك يظهر فيه أشخاص يُزعم أنهم سوريون يسبّون السيسي، لتبدأ حملة منظمة تدعو إلى مقاطعة المحلات والمطاعم السورية التي باتت خلال السنوات الماضية متنفسًا للمصريين وسط موجات الغلاء.
 

موسى واللجان... صناعة كراهية ممنهجة
أحمد موسى، ببرامجه اليومية على الفضائيات، لم يتوقف عن التحريض المباشر، مستخدمًا لغة تعبئة ضد السوريين ومتهمًا إياهم بالثراء غير المشروع أو الإهانة المتعمدة لمصر. هذا الخطاب لم يأتِ بمعزل، بل رافقته حملات إلكترونية من لجان معروفة بارتباطها بالأجهزة الأمنية، لتضخيم الفيديو القديم والترويج لخطاب كراهية ضد السوريين.
https://youtu.be/eGr9sjkUHco

اللافت أن هذه الحملات جاءت في توقيت يشهد غضبًا شعبيًا واسعًا من الغلاء وارتفاع الأسعار، ما يطرح تساؤلات حول الهدف الحقيقي: هل هو حماية "الأمن القومي"، أم صرف أنظار المصريين عن فشل الحكومة وقراراتها الاقتصادية الكارثية؟
 

الاقتصاد السوري في مصر... نجاح يتحول إلى حسد
منذ وصول آلاف السوريين إلى مصر بعد الثورة السورية عام 2011، أسسوا مشاريع صغيرة ومتوسطة في مجالات المطاعم، الحلويات، النسيج، والتجارة. هذه المشاريع لم تكن فقط مصدر رزق للسوريين، بل ساهمت في توفير آلاف فرص العمل للمصريين وقدمت منتجات عالية الجودة بأسعار تنافسية.

لكن بدلاً من النظر إلى هذه التجربة كقصة نجاح تساهم في دعم الاقتصاد المحلي، تحولت إلى هدف للتحريض. الحملات الحالية التي تدعو لمقاطعة المحلات السورية تكشف عن عقلية مريضة، ترى في النجاح سببًا للاتهام لا للتقدير.
 

تاريخ من التحريض ضد اللاجئين
ما يجري اليوم ضد السوريين ليس جديدًا؛ فقد سبقه تحريض مشابه ضد السودانيين، وضد العمالة الإفريقية، وضد الفلسطينيين. الخطاب نفسه يتكرر: تصوير اللاجئين كعبء على الاقتصاد، أو كخصم سياسي، بينما يتجاهل النظام أن هؤلاء فرّوا من الحروب والاضطهاد، وأن وجودهم في مصر يخضع لاتفاقيات دولية تلزم الدولة بحمايتهم.
وفي كل مرة يشتد فيها الغضب الشعبي ضد الحكومة، يُعاد استخدام هذه الورقة كأداة لتوجيه السخط بعيدًا عن النظام.
 

خطورة الانزلاق نحو الكراهية
المحللون يحذرون من أن هذه الحملات ليست مجرد "شوشرة إعلامية"، بل تحمل خطرًا حقيقيًا على النسيج الاجتماعي المصري. فالسوريون اليوم جزء من المجتمع: يتعلمون في المدارس المصرية، يعيشون في الأحياء جنبًا إلى جنب مع المصريين، ويشاركون في النشاط الاقتصادي اليومي. أي خطاب كراهية ضدهم يفتح الباب لعنف اجتماعي مباشر، ويهدد الأمن الداخلي أكثر مما يحميه.

زهدي الشامي، الخبير السياسي، علّق على هذه الحملات قائلًا إن "استخدام فيديوهات مفبركة لتأليب الشارع ضد السوريين يكشف إفلاس النظام الذي لم يعد لديه ما يقدمه سوى صناعة عدو وهمي". وأضاف أن ما يجري ليس سوى محاولة لصرف الأنظار عن الأزمات الاقتصادية التي صنعتها السلطة نفسها.
 

حملات "المقاطعة" ضد الفقراء
الدعوات لمقاطعة المحلات السورية تكشف مفارقة عجيبة: هذه المحلات كانت متنفسًا لطبقات فقيرة ومتوسطة، تقدم سلعًا بجودة عالية وأسعار أقل من مثيلاتها. مقاطعتها لن تضر سوى المستهلك المصري، بينما يظل التجار الكبار وأصحاب الاحتكارات محميين بعيدًا عن أي مساءلة.
 

إلهاء جديد يفشل في إخفاء الحقيقة
الحملة ضد السوريين في مصر ليست سوى ورقة إلهاء جديدة يستخدمها النظام كلما اشتد الخناق الشعبي. من قبل كان "الإخوان"، ثم "شباب السوشيال ميديا"، واليوم جاء الدور على السوريين. لكن الحقيقة التي لا يمكن حجبها أن الأزمة في مصر صناعة محلية بالكامل: سياسات فاشلة، قرارات اقتصادية كارثية، وغياب أي رؤية للمستقبل.

وبينما يحاول النظام تحميل السوريين وزر الفشل، يبقى المصريون هم الضحية الأولى والأخيرة لهذه السياسات. فالتحريض لا يُشبع جائعًا، ولا يخفض أسعار الوقود أو السلع، لكنه يكشف بوضوح أن السلطة لم يعد لديها سوى صناعة الأعداء الوهميين.