تشهد مصر منذ صدور تعديلات قانون الإيجارات القديمة في الرابع من أغسطس الماضي حالة من التوتر الاجتماعي الحاد، مع اتساع رقعة الخلافات بين الملاك والمستأجرين، وامتلاء ساحات المحاكم بالآلاف من القضايا المتعلقة بالطرد والنزاعات على الشقق السكنية.
ويصف خبراء ومتابعون المشهد الحالي بأنه "قنبلة موقوتة" توشك على الانفجار، لما تمثله هذه التعديلات من تهديد مباشر لاستقرار ملايين الأسر، خصوصًا في ظل أزمة اقتصادية خانقة يعيشها المصريون نتيجة الغلاء غير المسبوق والتضخم الجامح.
 

جرس إنذار دموي
أحد أبرز المؤشرات على خطورة الأزمة تمثل في حادثة حي الزاوية الحمراء بالقاهرة، حين أقدم سائق شاب الأسبوع الماضي على محاولة قتل ابن مالك العقار الذي يقيم فيه، بعد نزاع على الشقة المؤجرة بنظام الإيجار القديم. ووفق تحقيقات النيابة، هاجم المتهم جاره بأداة حديدية على رأسه فأصابه إصابة بالغة، ردًا على دعوى قضائية رفعها والد الضحية لطرده من المسكن. القضية أُرجئت محاكمتها إلى الثاني من أكتوبر المقبل، لكنها تركت وراءها صدى واسعًا بوصفها دليلاً عمليًا على أن القانون الجديد قد يحوّل الخلافات المدنية إلى مواجهات دامية.
 

محاكم مكتظة ودعاوى لا تنتهي
منذ دخول التعديلات حيّز التنفيذ، باتت المحاكم مكتظة بآلاف الدعاوى المقدمة من الملاك، تطالب بطرد مستأجرين بدعوى غلق الوحدات لأكثر من عام، أو امتلاكهم عقارات بديلة، أو حتى التأخر في سداد الإيجار.
وبحسب شهادات محامين، لجأ كثير من المستأجرين إلى دفع الأجرة عبر المحاكم بعد امتناع الملاك عن تحصيلها بغرض تسريع إجراءات الطرد، وهو ما تسبب في ازدحام شديد في محاكم القاهرة والجيزة تحديدًا.
 

بنود قانونية مثيرة للجدل
التعديلات الجديدة نصّت على فسخ العلاقة الإيجارية بعد مرور سبع سنوات في الوحدات السكنية، وخمس سنوات لغير السكنية، مع فرض زيادات ضخمة في القيمة الإيجارية تصل إلى 20 ضعفًا في المناطق المتميزة، بحد أدنى 1000 جنيه شهريًا، و10 أضعاف في المناطق المتوسطة والاقتصادية بحد أدنى يتراوح بين 250 و400 جنيه. هذه الأرقام، وفق مراقبين، لا تقترب من أسعار الإيجارات الحالية التي تتراوح بين 4 و7 آلاف جنيه حتى في المناطق الشعبية، ما يجعل الصدام بين الطرفين أمرًا محتوماً.
 

الملاك يضغطون والمستأجرون غاضبون
رئيس رابطة ملاك العقارات، مصطفى عبد الرحمن، كشف عن دعاوى قضائية تطالب بتمكين الملاك من استرداد شقق مغلقة استنادًا إلى إثباتات استهلاك المرافق. في المقابل، يرى المستأجرون أن القانون الجديد أخلّ بمبدأ الاستقرار الأسري، خصوصًا مع غياب بدائل حقيقية للفئات محدودة الدخل وكبار السن.
 

إحصائيات صادمة
وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (2017)، هناك أكثر من 3 ملايين وحدة تخضع لقانون الإيجار القديم، منها نحو 450 ألف وحدة مغلقة منذ أكثر من 10 سنوات. القاهرة وحدها تضم أكثر من مليون وحدة، تليها الجيزة ثم الإسكندرية، وهو ما يجعل أثر التعديلات واسعًا على الصعيد الوطني.
 

لجان الحصر وتصنيف المناطق
بدأت السلطات تشكيل لجان لحصر الوحدات وتقييم المناطق بنظام النقاط لتحديد ما إذا كانت متميزة أو متوسطة أو اقتصادية. وقد شمل التصنيف الأولي أحياء مثل الزمالك والمعادي ومصر الجديدة ضمن الفئة المتميزة، بينما وُضعت أحياء شعبية مثل الزاوية الحمراء والمطرية والشرابية ضمن الفئة الاقتصادية.
 

تحذيرات برلمانية وخلاف سياسي
النائب ضياء الدين داوود انتقد القانون، مؤكدًا أنه يتجاوز ما نصّت عليه المحكمة الدستورية، ويهدد السلم المجتمعي. فيما شدد رئيس لجنة الإسكان في البرلمان، محمد عطية الفيومي، على ضرورة التزام المستأجرين بسداد القيمة الجديدة، محذرًا من أن الامتناع يفتح الباب أمام الطرد القضائي.
 

أزمة تتقاطع مع اقتصاد متداعٍ
تزامنت أزمة الإيجارات مع تدهور اقتصادي غير مسبوق، حيث فقد الجنيه نحو 85% من قيمته خلال عقد واحد، ليرتفع الدولار من 7 جنيهات في 2014 إلى أكثر من 48 جنيهًا حاليًا، فيما تضاعفت أسعار السلع والخدمات عدة مرات. هذا الوضع جعل أي زيادة في الأعباء السكنية بمثابة تهديد مباشر لبقاء الطبقة المتوسطة والدنيا.