تشهد الأسواق المصرية في الآونة الأخيرة حالة غير مسبوقة من الاضطراب، انعكست على أسعار السلع الأساسية وفي مقدمتها الخضروات والفواكه، وذلك بعد قرار الحكومة رفع أسعار الغاز الطبيعي المورد للمصانع، في خطوة اعتبرها خبراء ومراقبون الشرارة التي أطلقت ما سُمّي بـ"جنون الأسعار" في السوق المحلي.
فبينما كان المواطن يترقب انفراجة في أزمة ارتفاع الأسعار، جاءت زيادة أسعار الغاز لتشعل أزمة جديدة تمس مباشرة قطاعي الزراعة والصناعة، وتنعكس آثارها على الغذاء، وهو ما تجسد بوضوح في القفزات القياسية لأسعار الطماطم التي تحولت إلى عنوان للأزمة الراهنة.
الطماطم.. من مائدة الفقراء إلى سلعة نادرة
يقول محمد الفيومي، أحد موردي الخضروات بسوق 6 أكتوبر المركزي، إن أسعار الطماطم ستظل مرتفعة حتى منتصف أكتوبر الجاري، وربما تتجاوز المعدلات الحالية، بعدما وصلت عبوة العشرين كيلو بسوق الجملة إلى 600 جنيه. ويُرجع الفيومي ذلك إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي بدءًا من الأسمدة والمبيدات وحتى النقل والعمالة، إضافة إلى التوقعات بزيادة أسعار المحروقات الشهر المقبل.
وتشهد أسواق التجزئة زيادات مضاعفة، إذ تُباع الطماطم للمستهلك النهائي بسعر يتراوح بين 40 و45 جنيهًا للكيلو، في تحول دراماتيكي جعلها حديث الشارع المصري خلال الأسابيع الماضية.
قفزة جماعية لأسعار الخضروات والفواكه
لم تقتصر الأزمة على الطماطم، بل امتدت لتشمل سلة واسعة من الخضروات والفواكه. فرصدت جولات ميدانية ارتفاع أسعار البطاطس إلى 12 جنيها للكيلو، والكوسا إلى 25، والخيار إلى 20، والبصل إلى 13، فيما بلغ سعر البامية 60 جنيها، والملوخية 8 جنيهات.
وفي الأسواق الشعبية زادت الأسعار بنحو 30%، بينما قفزت في الأحياء الراقية إلى أكثر من 50% مقارنة بالأسابيع الماضية. حتى الفواكه، التي عادة ما ترتبط بالوفرة الموسمية، شهدت ارتفاعات حادة؛ إذ بلغ سعر كيلو المانجو الفص 150 جنيها، والتفاح اللبناني 90، والأميركي 160 جنيها.
جذور الأزمة.. الغاز والأسمدة في قلب المعركة
وفق بيانات اتحاد الغرف الصناعية، فإن قرار الحكومة رفع أسعار الغاز للمصانع اعتبارًا من 15 سبتمبر بزيادة دولار واحد لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، كان السبب المباشر لارتفاع تكاليف إنتاج الأسمدة. ويشكل الغاز ما بين 60% و70% من تكلفة إنتاجها، ما دفع المصانع لزيادة الأسعار بشكل فوري.
وطالبت شعبة صناعة الأسمدة الحكومة بالسماح برفع سعر الطن المورد لوزارة الزراعة والبنك الزراعي المصري من 4500 إلى 6000 جنيه، إلا أن الطلب قوبل بتحفظ شديد، بحجة أن الدولة ما زالت تدعم الغاز للمصانع بأكثر من نصف قيمته الحقيقية، خاصة بعد لجوئها لاستيراد كميات إضافية من إسرائيل بنحو 6.7 مليارات دولار.
المزارعون بين مطرقة التكاليف وسندان الإنتاج
يؤكد مزارعون أن تكلفة زراعة الفدان الواحد من المحاصيل الاستراتيجية ارتفعت إلى ما بين 7 آلاف و15 ألف جنيه، وهو ما دفع كثيرين إلى تقليص المساحات المزروعة من القمح والذرة لصالح الخضروات والفواكه الأعلى ربحية. غير أن ذلك لم يخفف من وطأة الأزمة، حيث تضاعفت أسعار الأسمدة الحرة؛ فسجل طن سلفات النشادر نحو 17,850 جنيها، والمخصوص 22,491 جنيها، فيما قفز سعر اليوريا إلى 25 ألف جنيه.
الحكومة بين ضغط السوق وضغط الدولار
من جانبها، دخلت الحكومة على خط الأزمة عبر مفاوضات قادها كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية، لإلزام شركات الأسمدة بتقسيم إنتاجها إلى ثلاث شرائح: نسبة تخصص لوزارة الزراعة بالسعر المدعوم، وأخرى تُطرح في السوق المحلي عبر مزادات، وثالثة توجه للتصدير. ويهدف هذا الترتيب إلى تحقيق توازن بين توفير احتياجات المزارعين والحصول على العملة الصعبة.
غير أن الأوضاع الدولية تزيد من تعقيد المشهد، إذ تفرض الأسواق الأوروبية معايير جديدة لخفض انبعاثات الكربون (CBAM)، ما قد يحد من فرص التصدير ويضغط على مصانع الأسمدة المحلية بشكل أكبر.
انعكاسات اقتصادية واجتماعية
بحسب بيانات جهاز الإحصاء الحكومي، قفز معدل التضخم في أسعار الخضروات والفواكه إلى 39.7% خلال أغسطس/آب الماضي، بينما ارتفعت أسعار الغذاء عمومًا بنسبة 52%، وسط توقعات بمزيد من الضغوط خلال الأشهر المقبلة.
ويرى خبراء اقتصاد أن الأزمة الحالية لا تتعلق فقط بارتفاع الأسعار المؤقت نتيجة نقص العرض، بل ترتبط بخلل هيكلي في تكاليف الإنتاج الزراعي والطاقة. فحتى مع تحسن المعروض من الطماطم مع العروة الشتوية، ستظل الأسعار مرتفعة بفعل استمرار زيادة أسعار الغاز والمحروقات.
مواطنون بين الاستغناء والتكيف
على المستوى الشعبي، تزايدت شكاوى الأسر من صعوبة تدبير احتياجاتها الغذائية اليومية، خصوصًا مع تحول بعض الخضروات الأساسية إلى "سلع كمالية". واضطر كثير من المواطنين إلى تقليل الكميات المشتراة أو استبدال الأصناف الغالية بأخرى أقل سعرًا، بينما لجأت مطاعم صغيرة إلى تقليص حجم الوجبات أو رفع أسعارها لمجاراة الكلفة المتزايدة.