يعيش مئات المرضى والمصابين الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة في مصر مأساة إنسانية متصاعدة، بعد قرارات مفاجئة أبلغتهم بضرورة إخلاء مساكن التضامن الاجتماعي التي كانوا يقيمون فيها، وكذلك غرف داخل مستشفيات القاهرة التي يتابعون علاجهم بها. هذه الخطوة وضعتهم في مواجهة مباشرة مع التشرد في شوارع العاصمة أو الانتقال إلى محافظات نائية في الصعيد، بعيداً عن الأطباء والمراكز العلاجية التي تشرف على حالاتهم الحرجة.

المرضى الذين فرّوا من جحيم الحرب على غزة إلى مصر بحثاً عن العلاج، بينهم مصابون بأمراض مزمنة وخطيرة مثل الفشل الكلوي والسرطان، إضافة إلى مبتوري الأطراف جراء القصف. هؤلاء يجدون أنفسهم اليوم بلا مأوى أو رعاية مناسبة، وهو ما يهدد حياتهم بشكل مباشر، خاصة مع صعوبة تنقلهم لمسافات طويلة أو الاعتماد على إمكانياتهم الخاصة المحدودة.
 

شهادات من داخل الأزمة
الفلسطيني "أ.ع"، المقيم في مدينة العبور، يقول: "فوجئت بقرار الإخلاء بعد انتهاء مدة الإقامة المحددة بعام واحد، رغم استمرار الحرب وإغلاق معبر رفح. وجدنا أنفسنا فعلياً في الشارع بلا بديل مناسب، والمسؤولون اقترحوا نقلنا إلى أسيوط، وهو مكان بعيد جداً عن المستشفيات والأطباء الذين يتابعون حالاتنا الصحية، ما يهدد حياتنا مباشرة".

مصابون آخرون أكدوا أنهم تلقوا إنذارات بإخلاء غرفهم في مستشفيات كبرى مثل "عين شمس الجامعي" و"هليوبوليس"، في وقت يستحيل عليهم تحمل كلفة السكن الخاص بالقاهرة أو التنقل بين الصعيد والعاصمة بشكل متكرر لمتابعة جلسات العلاج.
 

انقسام العائلات ومعاناة إنسانية
أحد النشطاء الفلسطينيين المقيمين في القاهرة أشار إلى أن "الأوضاع وصلت إلى مرحلة بالغة الصعوبة بعد انتهاء عقود السكن وتوقف الكثير من أشكال الدعم المالي التي كانت توفرها جمعيات أهلية منذ بداية الحرب". وأضاف أن الأزمة لا تقتصر على المساكن الحكومية، بل طالت حتى العائلات التي كانت تستأجر شققاً خاصة لكنها اضطرت لمغادرتها بسبب عجزها عن دفع الإيجارات.

 

وأوضح الناشط أن هذا الوضع أدى إلى تمزق عائلات كاملة: "قد يكون الأب مع طفل مريض في مستشفى بالقاهرة، بينما تبقى الأم مع طفل آخر في مستشفى مختلف، في ظل غياب أي لمّ شمل إنساني أو دعم منظم"، محذراً من أن "هذه القضية لو كانت معروفة بالكامل للرئاسة أو وزارة الخارجية أو الصحة في مصر، لما تُرك الفلسطينيون يواجهون هذا المصير المأساوي".
 

تراجع التضامن وتدهور الخدمات
المرضى الفلسطينيون في مصر يصفون الخدمات الصحية والمعيشية المقدمة لهم بأنها متواضعة مقارنة بما تقدمه دول أخرى مثل قطر أو تركيا، حيث يحظى المرضى هناك برعاية أفضل وفرص حياة أكثر كرامة. ويؤكدون أن التضامن الشعبي المصري الذي كان واضحاً في الأيام الأولى من الحرب، تراجع بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، ما زاد من عزلة المرضى وأسرهم.
 

غياب السفارة الفلسطينية
بجانب الغياب الرسمي المصري عن التدخل لحل الأزمة، عبّر المرضى والمصابون عن استيائهم الشديد من موقف السفارة الفلسطينية في القاهرة، التي لم تتحرك لتأمين بدائل سكنية أو لمخاطبة السلطات المصرية بشأن أوضاعهم. وأكدوا أنهم لا يملكون أي إمكانيات مادية تمكنهم من البقاء في العاصمة أو تأمين العلاج من دون دعم حكومي أو رعاية مباشرة من السفارة.
 

نداء استغاثة
في مقاطع مصورة انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ناشد المرضى والمصابون عبد الفتاح السيسي التدخل العاجل لإعادتهم إلى المساكن والمستشفيات التي كانوا يقيمون فيها، مشددين على أن نقلهم إلى الصعيد يعني عملياً تركهم للموت البطيء بسبب بُعد المسافة وعدم معرفتهم بالبيئة هناك.

وختم أحد المرضى قائلاً: "لسنا أشخاصاً عاديين يمكنهم تدبير أمورهم. نحن مرضى، بعضنا أطفال ونساء وكبار في السن، كثيرون منا على كراسي متحركة. طردنا من مساكننا ومستشفياتنا هو حكم بالإعدام علينا بعيداً عن أرضنا التي هجّرنا منها القصف والحصار".