تشهد منظومة توريد الأدوية والمستلزمات الطبية أزمة غير مسبوقة، بعد أن تفاقمت مديونيات الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي لصالح شركات الأدوية والمستلزمات، ما ينذر بتوقف العديد من خطوط الإنتاج، زمك استقرار الخدمات الصحية المقدمة للملايين من المرضى، خصوصاً أصحاب الأمراض المزمنة.

ووفقاً لبيانات رسمية، بلغت المديونيات المتراكمة على الهيئة أكثر من 43 مليار جنيه حتى أغسطس الماضي، منها نحو 23 مليار جنيه مستحقة لشركات الأدوية وحدها، ما تسبب في ضغوط مالية كبيرة على الموردين الذين باتوا عاجزين عن استيراد المواد الخام اللازمة، في ظل الارتفاع المتواصل لتكلفة الاستيراد بسبب تقلبات سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
 

نقص حاد في الأدوية الحيوية
الأزمة انعكست بشكل مباشر على المخزون الدوائي في الصيدليات والمستشفيات الحكومية، حيث أشارت تقارير إلى وجود عجز في نحو 800 صنف دواء أساسي، من بينها أدوية علاج الأورام، وأمراض القلب والضغط والسكري. كما سجلت السوق المحلية زيادات متصاعدة في الأسعار، وصلت إلى 30% لبعض الأصناف خلال عام واحد، بينما ارتفعت أسعار أدوية الأمراض المزمنة بنسبة 100% نتيجة ندرة المعروض.

هذا النقص الحاد دفع المرضى، خصوصاً من ذوي الدخل المحدود، إلى اللجوء لشراء الأدوية من السوق السوداء أو الاعتماد على الأدوية المهربة، رغم خطورة تداول أصناف مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية.
 

اجتماع حكومي عاجل
في محاولة لاحتواء الأزمة، عقد وزير الصحة والسكان، اجتماعاً موسعاً ضم رئيس هيئة الشراء الموحد هشام ستيت وعدداً من كبار المسؤولين. وتركزت المناقشات على آليات تسوية المديونيات وجدولة مستحقات الشركات، بما يضمن انتظام عمليات التوريد، والحفاظ على استقرار المنظومة الصحية.

وشدد الوزير على ضرورة وضع خطة تنفيذية واضحة تتضمن جدولاً زمنياً محدداً للسداد، مع تشكيل لجنة متخصصة لمراجعة الإنفاق في المستشفيات التابعة للوزارة، بهدف تحسين كفاءة استهلاك الموارد وتعزيز الرقابة المالية والإدارية.
 

احتكار كامل للسوق
الهيئة المصرية للشراء الموحد، التي أنشئت بقرار رئاسي عام 2019، أصبحت الجهة الوحيدة المخولة بعمليات استيراد الأدوية والمستلزمات، بعد أن نُقلت إليها سلطات وزارة الصحة في ما يتعلق بالإشراف الصيدلي وملف الدواء. وتدير الهيئة عمليات الشراء لصالح جميع الجهات الحكومية، بما في ذلك المستشفيات الجامعية والعسكرية والبحثية، وهو ما منحها سيطرة شبه كاملة على سوق الأدوية المستوردة.

لكن منذ احتكار الهيئة لملف الدواء، يشهد السوق المحلي تراجعاً متواصلاً في توافر الأصناف الحيوية، بينما يتزايد اعتماد المرضى على البدائل غير الرسمية. ويؤكد خبراء أن استمرار الأزمة من دون حلول جذرية قد يدفع عدداً من الشركات العالمية إلى تعليق أو تقليص توريد الأدوية إلى مصر، وهو ما يفاقم المخاطر الصحية.