وجّه عدد من أعضاء النيابة العامة شكوى رسمية إلى عبد الفتاح السيسي ووزير العدل المستشار عدنان فنجري، تضمنت اتهامات مباشرة للنائب العام الحالي، المستشار محمد شوقي، بارتكاب "تجاوزات خطيرة" تهدد، بحسب وصفهم، بـ"انهيار مؤسسة عريقة نكنّ لها كل الولاء".
الشكوى، تمثل خطوة نادرة في العلن من داخل جهاز يتسم بالتكتم والانضباط المؤسسي، لكنها تكشف عن أزمة ثقة متصاعدة بين عدد من أعضاء النيابة وبين رأس الهرم في سلطة التحقيق.
واتهم أعضاء النيابة المستشار عمر مروان، مدير مكتب عبدالفتاح السيسي بـ"التستر على تصرفات النائب العام"، من أجل عدم تحمّل مسؤولية اختياره، ما يعيق وصول الحقائق إلى رأس الدولة، وفق ما جاء في نص الشكوى.
قضية مسجون قتيل... وتحايل على القانون
أخطر ما ورد في الشكوى يتمثل في تفاصيل قضية وصفتها الرسالة بـ"الصادمة"، تعود إلى واقعة مقتل مسجون على يد ضابط شرطة داخل قسم، وذلك قبل خمسة أشهر.
بحسب ما جاء في الشكوى، توفّرت أدلة دامغة تدين الضابط، وهو ما دفع وكيل النيابة المسؤول إلى إعداد مذكرة بإحالته للمحاكمة الجنائية ورفعها عبر النظام الإلكتروني الرسمي للنيابة العامة.
إلا أن مجريات الأحداث أخذت مساراً مختلفاً تماماً بعد تدخلات شخصية، كما وصفتها الشكوى، دفعت القضية نحو الحفظ بدل الإحالة.
الشكوى أفادت بأن أحد أقارب الضابط تواصل مع رئيس المكتب الفني السابق، محمد البياع، مستغلاً علاقة صداقة قديمة، ليتعهد الأخير بالتدخّل لتغيير مجرى القضية.
وبالفعل، تقول الرسالة إن البياع طلب من النيابة الكلية رفع مذكرة جديدة على النظام الإلكتروني تغير فيها التوصيف القانوني من الإحالة إلى الحفظ.
وعندما أبدى عضو النيابة اعتراضه على هذا التحوّل "غير المهني"، تم تهديده صراحةً بـ"التنكيل به في الحركة القضائية المقبلة"، ما دفعه، تحت وطأة الخوف، إلى الرضوخ وتعديل المذكرة.
تلاعب بالتواريخ... وغموض في تأشيرة النائب العام
أظهر النظام الإلكتروني للنيابة أن مذكرة الإحالة تم إدخالها بتاريخ 27 مايو 2025، ثم تبعتها في نفس اليوم مذكرة الحفظ، ما يؤكد، بحسب مقدمي الشكوى، أن المذكرة الأولى تم إلغاؤها واستُبدلت بأخرى.
وفي 31 مايو، صدرت تأشيرة النائب العام بالموافقة، إلا أن الشكوى تؤكد أن التأشيرة لم توضح ما إذا كانت الموافقة تتعلق بمذكرة الإحالة الأولى أم الحفظ الثانية، ما فُسّر لاحقاً - حسب رد مكتب النائب العام - بأن القضية تم حفظها.
الأمر الذي أثار سخط أعضاء النيابة الذين رفعوا الشكوى، مؤكدين أن "التلاعب بمصير قضايا العدالة، حتى لو كان المتهم تاجراً للمخدرات أو سيئ السمعة، لا يمكن أن يتم بهذا الشكل"، وتساءلوا بمرارة: "هل تُدار النيابة العامة بهذا الأسلوب؟".
مطالبة رئاسية بالتحقيق... ورفض لوساطة مروان
الشكوى لم تكتفِ بعرض الوقائع، بل طالبت بتدخل مباشر من رئاسة الجمهورية داعين إلى تشكيل لجنة قضائية محايدة أو اختيار شخصية موثوقة لدى الدولة للتحقيق في الأمر، بشرط أن يكون ذلك "بعيداً عن المستشار عمر مروان"، في تأكيد جديد على فقدان الثقة بمكتب الرئيس القانوني.
وفي ختام الشكوى، شدّد مقدموها على أنهم لا يهدفون إلى التشهير أو تصفية الحسابات، بل تحرّكهم "الغيرة على مؤسسة العدالة التي يخدمونها، وخوفهم من انهيارها إن استمر هذا النهج"، على حد وصفهم.