في حادثة أثارت صدمة واسعة، تحقق النيابة العامة في مصر في واقعة سرقة 20 طنًا من الكابلات الكهربائية من داخل مخازن حي مصر القديمة بالقاهرة، بعد أن قام الجناة بقطع التيار الكهربائي عن المنطقة لتعطيل كاميرات المراقبة.
وتشير التحقيقات الأولية إلى وجود شبهات قوية بتواطؤ داخلي، سواء من موظفين حاليين أو مسؤولين سابقين في الحي، ما يعكس أزمة متجذرة في منظومة الإدارة المحلية، ويفتح الباب مجددًا أمام تساؤلات حادة حول حجم الفساد المستشري في مؤسسات الدولة في عهد عبد الفتاح السيسي.
تفاصيل عملية السرقة
بحسب بيان النيابة، فإن العملية تمت باحترافية عالية، حيث عمد منفذوها إلى قطع الكهرباء بشكل كامل عن المخازن والمنطقة المحيطة بها، ما أدى إلى تعطيل الكاميرات الأمنية وإتاحة المجال لنقل الكابلات الضخمة دون رصد أو تسجيل. وتشير المعاينات إلى أن الكابلات المسروقة تزن نحو 20 طنًا وتُقدَّر قيمتها بملايين الجنيهات، وهو ما يجعل الجريمة أقرب إلى "عملية منظمة" يصعب تصور تنفيذها من دون دعم داخلي أو غطاء رسمي.
شبهات التواطؤ الداخلي
أكدت مصادر قضائية أن النيابة استدعت عددًا من المسؤولين الحاليين والسابقين بالحي، وسط شبهات قوية بضلوع موظفين في تسهيل دخول وخروج الشاحنات التي حملت الكابلات. كما يتم التحقيق في احتمال وجود تواطؤ بين عناصر الأمن الإداري والقائمين على المخازن، خاصة أن العملية تمت في ساعات الليل الأولى، ما يعزز فرضية أن "الجناة لم يأتوا من الخارج فقط، بل كان لهم شركاء من الداخل".
الفساد الإداري.. ظاهرة مزمنة تتفاقم
تأتي هذه الواقعة ضمن سلسلة طويلة من حوادث الفساد الإداري والمالي التي تضرب الجهاز الحكومي المصري منذ سنوات. فالتقارير المحلية والدولية لطالما أشارت إلى أن نظام السيسي يعاني من غياب الرقابة الحقيقية وتفشي المحسوبية، ما خلق بيئة خصبة للسرقة والاختلاس وإهدار المال العام. وفي حين تعلن السلطات بين حين وآخر عن ضبط بعض القضايا، فإن معظمها يظل في إطار "الأسماك الصغيرة"، بينما تبقى الشبكات الكبرى المحمية بالسلطة والنفوذ خارج دائرة المحاسبة.
عهد السيسي.. ازدياد الأزمات وتراجع الثقة
يُجمع مراقبون على أن السنوات الأخيرة في عهد السيسي شهدت تصاعدًا غير مسبوق في قضايا الفساد، بالتوازي مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. ويشيرون إلى أن هيمنة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد وتغييب المؤسسات الرقابية المستقلة ساهما في تفشي هذه الظاهرة، حيث يتم تحويل موارد الدولة ومقدراتها إلى "غنيمة" تتقاسمها دوائر النفوذ. وفي ظل هذه الأجواء، تبدو جريمة سرقة 20 طنًا من الكابلات من مخزن حكومي مجرد عرض من أعراض مرض أعمق ينهش جسد الدولة.
فساد يهدد المجتمع والدولة
منذ انقلاب السيسي عام 2013، برزت فضائح متكررة: من الاستيلاء على أراضٍ عامة وبيعها لمستثمرين مقربين، إلى منح عقود بالمليارات بلا شفافية، وصولًا إلى قضايا تهريب وتهرب ضريبي طالت رجال أعمال نافذين. وقد انعكس هذا الفساد بشكل مباشر على حياة المواطن البسيط، عبر انهيار الخدمات العامة وتفاقم البطالة والفقر، بينما تتكدس الثروات في يد قلة مرتبطة بالسلطة. حادثة مصر القديمة الأخيرة ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة الفشل والإهمال والفساد المؤسسي الذي بات السمة الأبرز لعهد السيسي.
خاتمة
تكشف جريمة سرقة الكابلات من مخازن حي مصر القديمة ليس فقط عن اختراق أمني وإداري خطير، بل عن عمق أزمة الفساد التي تضرب أركان الدولة المصرية. وبينما تواصل النيابة تحقيقاتها مع مسؤولين حاليين وسابقين، يظل السؤال الأهم: هل ستصل المحاسبة إلى الجناة الحقيقيين، أم ستُطوى القضية كغيرها تحت عنوان "مجهولون"؟ الحقيقة أن ما جرى يعكس فشل نظام السيسي في بناء دولة قانون ورقابة حقيقية، ويؤكد أن الفساد بات متغلغلًا لدرجة تهدد بقاء مؤسسات الدولة ذاتها.