بينما يعيش ملايين المصريين تحت وطأة التضخم غير المسبوق، وتتصاعد أسعار السلع والخدمات بشكل خانق، تتجه الحكومة إلى خطوة جديدة مثيرة للجدل: تقييم أصول شركة العاصمة الإدارية تمهيدًا لطرحها في البورصة.
خطوة تبدو في ظاهرها "اقتصادية وتنموية"، لكنها في واقع الأمر تعكس فشل الدولة في تمويل مشروع العاصمة الإدارية دون تحميل المصريين أعباء إضافية عبر الديون والضرائب وبيع الأصول.

هذا المشهد يثير تساؤلات حادة: هل تحولت العاصمة الإدارية إلى مشروع استثماري خاص يُمول من جيوب المواطنين، بينما يحصد العائد منه كبار المستثمرين والشركات الأجنبية؟
 

تقييم الأصول تمهيدًا للبيع.. لا استثمار حقيقي
كشف خالد عباس، رئيس مجلس إدارة الشركة والعضو المنتدب، أن عملية تقييم أصول العاصمة الإدارية ستنتهي بحلول نهاية العام الجاري، ليُبنى عليها قرار الطرح في البورصة، سواء للشركة الأم أو لشركات تابعة.

لكن هذه الخطوة ليست بريئة اقتصاديًا؛ فالدولة تسعى إلى بيع حصص من أصول ضخمة بُنيت بأموال المصريين وقروض خارجية، ما يعني أن المواطنين دفعوا الثمن أولاً عبر الديون، وسيدفعون مجددًا حين تُباع أصولهم للقطاع الخاص أو المستثمرين الأجانب تحت شعار "تنشيط البورصة".
 

60 مليار جنيه من القطاع الخاص.. من المستفيد؟
أعلن عباس أن الشركة خصصت 50 إلى 60 مليار جنيه للمرحلة الثانية من المشروع، موضحًا أن هذه الأموال تأتي بالكامل من القطاع الخاص. ظاهريًا، قد يبدو ذلك مؤشرًا إيجابيًا على جذب استثمارات، لكن الواقع يشير إلى أن الدولة تخلت تمامًا عن تمويل المشروع من مواردها، لتترك الساحة للمستثمرين الذين سيشترون الأراضي بأسعار تفضيلية ويحققون أرباحًا ضخمة، فيما يبقى المواطن المصري مجرد دافع للضرائب يسدد فوائد القروض التي موّلت البنية التحتية الأساسية.
 

بيع الأراضي.. سياسة الجباية المقنّعة
أكد عباس أن الشركة طرحت 25 إلى 30 قطعة أرض بمساحات تتراوح بين 5 آلاف و7 آلاف متر.
هذه الخطوة تكشف بوضوح أن "العاصمة الإدارية" لم تعد مشروعًا قوميًا كما تم الترويج له، بل تحوّلت إلى سوق عقاري ضخم هدفه الأساسي بيع الأراضي لتوفير سيولة عاجلة تسد فجوات الموازنة.
ومع ارتفاع أسعار العقارات بشكل جنوني، فإن هذه الطروحات لن يستفيد منها المواطن البسيط، بل ستذهب لجيوب كبار المطورين العقاريين الذين سيحوّلون العاصمة إلى مدينة للأثرياء فقط.
 

المنطقة الصناعية.. وعود بلا ضمانات
أشار رئيس الشركة إلى أن نحو 80% من المرحلة الأولى للمنطقة الصناعية (بمساحة 1600 فدان) تلقت طلبات استثمار.
لكن هذه الوعود الاستثمارية لا تعني بالضرورة تشغيل المصانع أو خلق وظائف حقيقية للمصريين.

تجارب سابقة في "المناطق الحرة" و"المناطق الصناعية الجديدة" أثبتت أن معظم الاستثمارات الأجنبية تستفيد من الإعفاءات الضريبية والجمركية دون أن تضيف قيمة حقيقية للاقتصاد الوطني.
في النهاية، يظل السؤال: هل ستعود هذه الاستثمارات بالنفع على المواطن المصري أم ستظل مجرد "أرقام على الورق" تُستخدم للتسويق الإعلامي؟
 

البورصة والديون.. المواطن هو الضحية
الحكومة تروّج لفكرة أن طرح أصول العاصمة الإدارية في البورصة سيسهم في "تنشيط السوق وجذب الاستثمارات"، لكن الحقيقة أن عوائد الطرح ستذهب بالأساس لسداد ديون الدولة المستحقة للشركات والمقاولين، ولن يشعر المواطن بأي تحسن في معيشته.

وفي ظل تراكم ديون مصر الخارجية التي تجاوزت 171 مليار دولار بنهاية 2024 وفق بيانات البنك المركزي، فإن أي عائد من بيع الأصول سيضيع لسداد فوائد هذه القروض، بينما يستمر المواطن في دفع الثمن عبر ارتفاع الأسعار وفرض مزيد من الضرائب.

وخلاصة التقرير أن العاصمة الإدارية التي وُصفت يومًا بأنها "مشروع المستقبل" باتت اليوم رمزًا لفشل السياسات الاقتصادية القائمة على الاقتراض والبيع. الحكومة تموّل بالبداية من جيوب المواطنين، ثم تعرض الأصول للبيع لتسديد الديون، بينما يُحرم المصري البسيط من أي عائد أو تحسن في مستوى المعيشة.

السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل تُبنى عاصمة جديدة على أنقاض معاناة ملايين المصريين الذين يسددون ديونها دون أن تطأ أقدامهم أرضها؟