صدّرت مصر شحنة وُصفت بأنها "نادرة" من الغاز المسال بحجم 3.75 مليار قدم مكعب إلى أوروبا عبر شركتي "شل" و"بتروناس" من خلال مصنع "إدكو" للإسالة، بحسب ما نقلته "الشرق" عن مسؤول حكومي رفض ذكر اسمه. لكن الحقيقة المُرّة أن هذا الغاز ليس مصرياً من الأساس، بل إسرائيلياً يدخل أراضي مصر بموجب صفقات إذعان أبرمتها الحكومة، ليتحول البلد إلى مجرد وكيل خدمات يسيّل الغاز الصهيوني ويصدره لأوروبا، دون أن يدخل جيب الدولة المصرية دولار واحد.
المسؤول قال إن: "شركة (شل) كانت تحصل على نحو 250 مليون قدم مكعب غاز يومياً لمدة 15 يوماً لتتمكن من تصدير تلك الشحنة لأوروبا". وبهذا تصبح إسرائيل هي الرابح الأكبر، بينما المصريون يدفعون ثمن الكهرباء والغاز بأضعاف مضاعفة، وحكومتهم تتفاخر بتصدير غاز لا تملك منه شيئاً.
الحكومة زعمت أن موافقتها على التصدير تأتي ضمن "حوافز" أعلنتها في أغسطس 2024 تسمح للشركات الأجنبية بتصدير حصص من الإنتاج الجديد مقابل تسديد المستحقات المتأخرة وزيادة الاستثمارات. لكن هذه الرواية الرسمية ما هي إلا ستار لتغطية حقيقة أكثر خزياً: مصر تُبتز يومياً بالغاز الإسرائيلي، وإذا حاولت الاعتراض أو رفض الشروط، تقطع تل أبيب عنها الإمدادات فوراً، لتغرق البلاد في الظلام.
أما محطة إدكو، التي تستحوذ "شل" و"بتروناس" على 71% من حصتها، فيما لا تملك الحكومة سوى 24% فقط، فتمثل أوضح مثال على فقدان مصر السيطرة على ثرواتها. فالمصانع مصرية، والأرض مصرية، لكن الغاز إسرائيلي والأرباح أجنبية، أما مصر فمجرد محطة خدمات خانعة.
المسؤول كشف أن شحنة أخرى ستُصدر في أكتوبر. أي أن إذلال مصر لن يتوقف عند شحنة واحدة، بل صار مسلسلاً متكرراً، يُصدر فيه الغاز الإسرائيلي من مصر وكأنها مجرد ترانزيت لا قيمة له.
رئيس وزراء حكومة السيسي، الدكتور مصطفى مدبولي خرج ليبشر الناس بأن مصر ستعود كمُصدّر صافٍ بحلول 2027 مع ارتفاع الإنتاج المحلي. لكن أي مواطن بسيط يدرك أن هذه وعود جوفاء؛ فالحكومة تبيع الوهم، بينما الغاز الحقيقي الذي يغذي المصانع والمراكب في أوروبا يخرج من الحقول الإسرائيلية وليس المصرية.
صحيح أن الإنتاج ارتفع مؤخراً بعد تسديد ديون للشركات الأجنبية، لكن هذا لا يغير من حقيقة أن مصر مكبلة بالديون والصفقات المذلة، وأن الشركات الأجنبية ومعها إسرائيل هي من تملك زمام الثروة والقرار. وبينما يتفاخر المسؤولون في الإعلام، يظل المصريون ضحايا: لا كهرباء مستقرة، لا أسعار عادلة، ولا سيادة على ثرواتهم الطبيعية.
وأخيرا فصفقة تصدير الغاز الأخيرة لا تمثل إنجازًا لمصر بقدر ما تعكس إذعانًا استراتيجيًا لإسرائيل وأوروبا. فبينما تحصد تل أبيب الأرباح وتكسب شرعية إضافية كمصدر للطاقة الإقليمية، يغرق المصريون في أزمات متكررة من انقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار. هذه السياسة تضع مستقبل الطاقة في مصر على المحك، وتجعل من الدولة مجرد "وسيط مأجور" بدلًا من أن تكون لاعبًا رئيسيًا يحمي مصالح شعبه.