في خطوة جديدة تكشف الوجه الحقيقي لسياسات الجباية التي يتبعها نظام عبد الفتاح السيسي، أصدرت وزارة الإسكان بحكومة الانقلاب قرارًا بفرض رسوم باهظة على تسجيل ونقل ملكية الوحدات السكنية والتجارية والأراضي بالشهر العقاري. القرار جاء مصحوبًا بتهديد صريح للمواطنين: إما السداد وإما سحب الوحدة أو الأرض وإلغاء التخصيص.
تفاصيل الرسوم المفروضة
وفقًا للقرار المعدل، تتراوح الرسوم بين 3 و5% من قيمة الوحدات السكنية والتجارية، وبين 1 و5% من قيمة الأراضي، مع إضافة نسبة إلزامية قدرها 1% لصالح ما يسمى “مجلس الأمناء”. وتروج الوزارة أن الهدف هو “تفعيل منظومة الرقم القومي للعقار”، لكن مصادر مطلعة أكدت أن الغاية الحقيقية هي تحصيل مليارات الجنيهات لتعويض عجز الموازنة وتمويل الصندوق السيادي.
الوزير المعيّن حديثًا، شريف الشربيني، أصدر تعليمات مباشرة لرؤساء أجهزة المدن الجديدة بضرورة حصر جميع التوكيلات الصادرة عن بيع أو تنازل خلال السنوات الماضية، وإجبار أصحابها على التسجيل وسداد الرسوم خلال ستة أشهر فقط. العقوبة المعلنة واضحة: إلغاء التخصيص وسحب الأرض أو الوحدة من أصحابها في حال عدم الالتزام.
“تخفيضات” شكلية وتمييز فاضح
وللتغطية على موجة الغضب المتوقعة، أعلنت الوزارة عن “تخفيضات” كبيرة على الرسوم: 50% للوحدات التجارية، 60% للإدارية، 70% للسكنية، وحتى 90% لبعض الأراضي. لكن هذه التخفيضات استثنت مناطق المشروعات الكبرى مثل الساحل الشمالي الغربي، العلمين الجديدة، رأس الحكمة، والأراضي الصناعية، التي فُرضت عليها الرسوم كاملة دون أي تخفيف. خطوة اعتبرها مراقبون دليلاً على أن المشروعات السيادية والصفقات الكبرى محصنة من أي امتيازات، بينما يُترك المواطن العادي والمطور الصغير تحت رحمة القرارات الجائرة.
ارتباك في السوق العقارية
مصادر عقارية حذرت من أن القرار يهدد استقرار السوق، إذ إن آلاف المشروعات العقارية في مصر قائمة بالفعل على نظام التوكيلات. وإجبار أصحابها على التسجيل ودفع رسوم جديدة خلال ستة أشهر فقط قد يؤدي إلى انهيار استثمارات بمليارات الجنيهات، ويضع الملاك الصغار والمطورين أمام مأزق قانوني ومالي خطير.
شركات التطوير العقاري اعتبرت أن القرار جاء في توقيت شديد الحساسية، حيث يمر السوق بتراجع في المبيعات وزيادة في الأسعار، ما قد يعجّل بموجة ركود جديدة. وأكد خبراء أن التهديد بسحب الأراضي أو الوحدات حال عدم السداد خلال المدة المحددة سيتسبب في حالة هلع واسعة، ويضعف ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين في السوق المصرية.
غضب في أوساط المطورين
غرفة التطوير العقاري أصدرت بيانًا شديد اللهجة أعلنت فيه رفضها للقرار، مؤكدة أنه يمثل “خراب بيوت” للسوق العقارية. وأشارت إلى أن فرض رسوم بهذه النسب المرتفعة لا يراعي طبيعة السوق المصرية ولا الظروف الاقتصادية الحالية التي يواجهها المطورون والمشترون. الغرفة أعلنت عن عقد اجتماع عاجل مع وزير الإسكان لمراجعة القرار، والمطالبة بتسهيلات وجدولة طويلة الأمد للرسوم إذا كان لا بد من تطبيقها.
جباية مقننة
رغم كل التبريرات الرسمية حول “تنظيم السوق” و“حماية حقوق الملاك”، يرى خبراء اقتصاديون أن القرار ليس إلا وسيلة جديدة لجباية الأموال من المواطنين، بعدما تحولت الدولة إلى ما يشبه المقرض الجشع الذي يبتز الناس بدلًا من أن يوفر لهم أبسط حقوق السكن والأمان. فالرسوم المفروضة لا تعكس أي قيمة خدمية حقيقية، بقدر ما تكشف عجز الحكومة عن إيجاد حلول اقتصادية جادة بعيدًا عن تحميل المواطن المزيد من الأعباء.
وفي الختام فإن القرار الأخير يفتح الباب أمام أزمة جديدة في السوق العقارية، التي تعد من أهم القطاعات الحيوية للاقتصاد المصري. وفي ظل تصاعد الغضب بين المواطنين والمطورين على حد سواء، يبدو أن وزارة الإسكان اختارت الطريق الأسهل لسد عجزها المالي: نهب جيوب المصريين تحت لافتة “التسجيل” و“التنظيم”، في وقت بات فيه السكن حلمًا بعيد المنال لملايين الأسر التي لا تجد ما يحميها من غول الأسعار والقرارات التعسفية.