في تطور أثار جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية والحقوقية، تداولت مصادر مطلعة أنباء عن إعداد كشوف سرية داخل بعض الهيئات القضائية، وبالتحديد النيابة الإدارية، تضم أسماء أعضاء تم رصد زيادة في أوزانهم بعد التعيين، تمهيداً لاتخاذ قرارات بإقالتهم أو استبعادهم من أعمالهم. هذه الخطوة ـ إن صحت ـ تفتح باباً واسعاً للنقاش حول معايير الكفاءة المهنية، والخلط بين الجوانب الصحية والشكلية وبين القدرة الفعلية على أداء المهام القضائية.
الكفاءة المهنية أم الشكل الخارجي؟
منذ عقود، ارتبطت الهيئات القضائية في مصر بمعايير صارمة في اختيار الأعضاء، ترتكز على السمعة الطيبة، المؤهل العلمي، والسلوك الشخصي. غير أن إدخال معيار "الوزن" ضمن أسس تقييم الأداء يثير علامات استفهام حول أولويات المؤسسات. فهل زيادة الوزن تمثل تهديداً مباشراً لسلامة العمل القضائي أو القدرة على البت في القضايا؟ أم أنها مجرد ذريعة لإحكام السيطرة وإقصاء بعض الأعضاء تحت ستار "اللياقة البدنية"؟
البعد القانوني والإداري
قانون النيابة الإدارية لم يتطرق في أي من مواده إلى اشتراط وزن معين أو قياسات جسدية محددة لاستمرار العضو في منصبه. وبالتالي، فإن أي محاولة لإقالة الأعضاء بسبب السمنة قد تفتقر للسند القانوني، وتفتح المجال أمام طعون قضائية يمكن أن تُربك المشهد القانوني برمته. عدد من الخبراء القانونيين يرون أن مثل هذه الإجراءات ـ إذا اتخذت بالفعل ـ قد تُمثل تعدياً على حقوق مكتسبة، بل وتتناقض مع مبدأ تكافؤ الفرص الذي يكفله الدستور.
انعكاسات على صورة القضاء
لا يمكن إغفال أن القضاء يمثل واجهة الدولة أمام المواطنين. وإثارة أخبار حول "كشوف سرية" مرتبطة بأوزان الأعضاء قد يضعف ثقة الرأي العام في جدية المؤسسات القضائية، ويعطي انطباعاً بأن الانشغال بالمظاهر الشكلية يطغى على جوهر العدالة. كما أن ربط الكفاءة المهنية بمقاييس الجسد قد يُفسر كنوع من التمييز، بما يضر بصورة مصر في المحافل الدولية، خاصة في ظل تزايد الحديث عالمياً عن حقوق الموظفين ورفض سياسات التمييز في بيئات العمل.
البعد الاجتماعي والنفسي
علم النفس الإداري يؤكد أن الشعور بالاستهداف لأسباب شكلية، مثل الوزن أو المظهر، يؤثر سلباً على الروح المعنوية للعاملين. وإذا وصل هذا الشعور إلى قضاة أو أعضاء في مؤسسة قضائية، فإن تأثيره سيكون مضاعفاً، لأنه ينعكس على استقلاليتهم وثقتهم في أنفسهم، وبالتالي على أدائهم. كما أن فرض ضغوط متصلة بـ"اللياقة البدنية" دون مراعاة الظروف الصحية أو الوراثية قد يضع الأعضاء تحت ضغوط إضافية، لا علاقة لها بجوهر العمل.
أصوات معارضة داخل الوسط القانوني
عدد من القضاة وأعضاء النيابة السابقين ـ وفق ما يتداول في الكواليس ـ عبّروا عن رفضهم التام لمثل هذه الإجراءات، معتبرين أنها "تدخل غير مقبول" في الحياة الشخصية للأعضاء. هؤلاء يرون أن الحل الأمثل للحفاظ على الصحة العامة داخل المؤسسات هو توفير برامج دعم غذائي ورياضي اختيارية، وليس إصدار كشوف سرية تُستخدم كأداة للترهيب.
احتمالات سياسية وإدارية
لا يستبعد مراقبون أن يكون الحديث عن "كشوف الوزن" مجرد أداة لإعادة فرز داخل النيابة الإدارية، أو تمهيداً لتغييرات أوسع في تركيبة الجهاز القضائي. فغالباً ما تُستخدم قضايا جانبية كغطاء لإجراءات إدارية أعمق، سواء لإحالة البعض للتقاعد المبكر أو لإعادة هيكلة المؤسسة على نحو يخدم مصالح دوائر بعينها.
وختاما يبقى السؤال الأساسي: هل تتحول النيابة الإدارية من مؤسسة وظيفتها الرقابة على الجهاز الإداري وتحقيق العدالة إلى هيئة تحاسب أعضاءها على أجسادهم بدلاً من أعمالهم؟ إذا صحت هذه الأنباء، فإن الأمر لا يخص أصحاب الوزن الزائد وحدهم، بل يخص المجتمع كله الذي يترقب نزاهة مؤسساته القضائية. فالعدالة ـ في جوهرها ـ لا تُقاس بالكيلوجرامات، وإنما تُقاس بميزان الحق والإنصا