تواصل حكومة الانقلاب  سلسلة قراراتها الاقتصادية المثيرة للجدل التي لا تراعي أوضاع الفلاحين ولا الأمن الغذائي للمواطنين.
ففي الوقت الذي تتزايد فيه معدلات الفقر وتعصف الأزمات المعيشية بالشارع، تتجه السلطات لزيادة أسعار توريد الأسمدة المدعمة من المصانع بنسبة 33% لتصل إلى 6 آلاف جنيه للطن من اليوريا والنترات، بدلاً من 4.5 ألف جنيه وهو السعر المعمول به منذ نوفمبر 2021.

القرار لا يقف عند هذا الحد، بل يتزامن مع رفع سعر توريد الغاز الطبيعي للمصانع، وتقليص حصة وزارة الزراعة من الأسمدة المدعمة، وهو ما يُنذر بكارثة حقيقية على أسعار الغذاء ويهدد بانهيار قطاع الزراعة في مصر.
 

رفع أسعار الأسمدة.. عبء إضافي على الفلاحين
بحسب مصادر من شركات الأسمدة تحدثت لـ"العربية Business"، فإن الحكومة أقرت زيادة سعر توريد الأسمدة بنسبة 33% لتصل إلى 6 آلاف جنيه للطن.

هذه الزيادة، وإن كانت أقل بكثير من التكلفة الحقيقية للإنتاج التي تتجاوز 10 آلاف جنيه للطن الواحد، فإنها كفيلة بتدمير المزارعين الذين يعتمدون على الأسمدة المدعمة.
الفلاح الذي كان يشتري الطن بـ4.5 ألف جنيه سيجد نفسه مضطراً لدفع مبلغ إضافي في ظل تراجع قدرته الشرائية وارتفاع تكاليف الزراعة الأخرى.

النتيجة الحتمية ستكون تقليص المساحات المزروعة أو العجز عن زراعة بعض المحاصيل الاستراتيجية.
 

الغاز يقفز والتكاليف تنفجر
إلى جانب رفع أسعار الأسمدة، قررت الحكومة زيادة سعر الغاز الطبيعي الموجه لمصانع الأسمدة بدولار إضافي لكل مليون وحدة حرارية، ليصل الحد الأدنى إلى 5.5 دولار.
هذا القرار يعني ببساطة أن تكاليف الإنتاج سترتفع أكثر، وهو ما قد يقلل من القدرة التصديرية للمصانع المصرية في ظل منافسة دولية تعتمد على أسعار طاقة أرخص بكثير.

رفع أسعار الغاز جزء من خطة أوسع لإلغاء دعم الطاقة نهائياً خلال ثلاث سنوات، ما يعني أن كلفة الأسمدة ستظل في تصاعد، ومعها أعباء الفلاح وأسعار السلع الغذائية التي تعتمد على تلك المدخلات.
 

تقليص حصص الزراعة وتوسيع التصدير
القرارات الجديدة تضمنت أيضاً تقليص حصة وزارة الزراعة من الأسمدة المدعمة إلى 37% من الإنتاج الشهري بدلاً من 55%، مقابل زيادة حصة المصانع المخصصة للتصدير إلى 53% بعد أن كانت 45%. عملياً، هذا يعني أن الحكومة تعطي الأولوية للتصدير وجلب العملة الصعبة على حساب المزارع المصري الذي يحتاج إلى أكثر من 220 ألف طن من الأسمدة شهرياً، أي ما يتجاوز 2.6 مليون طن سنوياً.
في المقابل، يصل إجمالي إنتاج مصر من الأسمدة الأزوتية إلى 7.6 مليون طن سنوياً، ما يجعل من تقليص حصة الزراعة تهديداً مباشراً للإنتاج المحلي من الغذاء.
 

مزايدات وشركات مستفيدة
من جهة أخرى، قررت وزارة الزراعة طرح ما نسبته 10% من الإنتاج في مزايدات للشركات التجارية الخاصة، وهو ما يفتح الباب أمام المضاربة ورفع الأسعار في السوق الحرة.

وبحسب أحد المصادر، فإن خفض حصص وزارة الزراعة سيقتصر على خمس شركات كبرى هي موبكو، وأبوقير، وحلوان، وكيما أسوان، والدلتا للأسمدة، بينما ستظل عقود شركتي المصرية للأسمدة والإسكندرية للأسمدة على حالها بنسبة 20% و30% على التوالي، باعتبارهما مرتبطتين بعقود خاصة مع الحكومة.

هذه السياسات تكشف تمييزاً واضحاً بين الشركات، وتخلق سوقاً احتكارية تضاعف أرباح بعض المصانع على حساب الفلاحين.
 

كارثة قادمة على الغذاء والزراعة
المحصلة النهائية لهذه القرارات هي مزيد من الضغط على قطاع الزراعة الذي يئن أصلاً تحت وطأة ارتفاع أسعار الوقود والبذور وانخفاض سعر الجنيه.
الفلاح لن يكون قادراً على تحمّل التكاليف، ما سيدفعه إما إلى تقليل الإنتاج أو إلى رفع أسعار المحاصيل لتعويض الخسائر.

وفي بلد يعاني من تراجع نصيب الفرد من المياه إلى حد الفقر المائي، فإن زيادة تكاليف الزراعة تعني تهديداً للأمن الغذائي بأسره.
المواطن العادي سيكون الضحية الأولى، إذ سترتفع أسعار الخضروات والحبوب والفاكهة، لتزداد معدلات التضخم ويغرق المجتمع أكثر في دوامة الغلاء.

الخلاصة إن رفع أسعار الأسمدة المدعمة والغاز للمصانع ليس مجرد تعديل اقتصادي عابر، بل قرار يحمل تداعيات كارثية على الزراعة والغذاء في مصر.
الحكومة اختارت أن تضع المزارع في مواجهة مباشرة مع السوق الحرة والمصانع المحتكرة، في وقت يعاني فيه المواطن من ضيق العيش وتآكل قدرته الشرائية.

النتيجة المتوقعة هي اتساع فجوة الفقر الغذائي وانهيار الثقة في السياسات الزراعية، ما يهدد ليس فقط الإنتاج المحلي بل أيضاً الاستقرار الاجتماعي.