مع بداية العام الدراسي الجديد 2025-2026، يجد مئات الآلاف من الأسر أنفسهم أمام معضلة تعليمية معقدة، بعدما أعلنت وزارة التربية والتعليم تطبيق نظام "البكالوريا" كبديل للثانوية العامة التقليدية.
وبينما تصر الوزارة على أن النظام الجديد "اختياري"، تكشف شكاوى أولياء الأمور عن ممارسات على الأرض تصفها الأسر بأنها محاولات إلزامية مقنّعة لفرض النظام الجديد، ما يثير قلقًا واسعًا بشأن مستقبل الطلاب.
قلق متصاعد بين أولياء الأمور
تقول مديحة عبد الله، ولية أمر، إن النظام قد يكون مناسبًا لأحد أبنائها، لكنها اضطرت لاختياره أيضًا لابنها الأكبر بسبب غياب البدائل.
فيما تروي آلاء محمد أنها فوجئت بأن اختيار الثانوية العامة التقليدية لابنتها يعني نقلها إلى مدرسة تبعد 15 كيلومترًا عن المنزل، ما اعتبرته "تهديدًا مبطنًا" دفعها لتغيير قرارها.
أما المحامية منى السيد، فاختارت خوض معركة قانونية بعد أن طُلب منها سحب ملف ابنتها لعدم توافق اختيارها مع توجه المدرسة، فتقدمت بشكاوى رسمية للنيابة الإدارية وهيئة الرقابة الإدارية، مؤكدة استعدادها للجوء إلى القضاء.
ويؤكد فريد عادل، ولي أمر آخر، رفضه التام لنقل ابنه إلى مدرسة بعيدة، ما دفع الإدارة التعليمية للتدخل وعقد اجتماع عاجل لاحتواء الأزمة.
آراء الخبراء: بين مؤيد ومتحفظ
الخبراء التربويون بدورهم انقسموا بين داعم ومتحفظ.
يرى د. عاصم حجازي، أستاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة، أن النظام يحمل إيجابيات مهمة، منها تقليص المواد وتعدد فرص التقييم، لكنه حذر من خطورة فرضه قسرًا على الأسر، معتبرًا ذلك مخالفة صريحة للقانون.
في المقابل، يرى د. حسن شحاتة، أستاذ المناهج بجامعة عين شمس، أن البكالوريا تمثل "نقلة نوعية"، إذ تمنح الطلاب حرية اختيار مسارات تخصصية منذ الصف الأول الثانوي، وتتيح فرصًا متعددة لتحسين الدرجات، بالإضافة إلى إمكانية الالتحاق بسنة تمهيدية جامعية للطلاب الأقل تحصيلًا.
لكنه شدد في الوقت ذاته على أن النظام يظل اختياريًا، وأي محاولة لفرضه "غير قانونية وتستوجب المساءلة".
وزارة التعليم: وعود بالتحسين والاعتراف الدولي
وزير التعليم محمد عبد اللطيف أكد أن النظام القديم بات عبئًا نفسيًا واجتماعيًا، بينما تسعى الوزارة لجعل البكالوريا خيارًا حديثًا يواكب متطلبات العصر.
وأوضح أن المنظومة ستعتمد على امتحانات سنوية بفرص متعددة، مع احتساب أعلى درجة للطالب في التنسيق الجامعي.
كما كشف عن مفاوضات مع مؤسسات دولية للاعتراف بشهادة البكالوريا المصرية، بما يمنحها وزنًا أكاديميًا عالميًا.
الأسر بين حرية الاختيار وضغوط "الإجبار"
رغم تطمينات الوزارة، يعيش أولياء الأمور حالة من الحيرة والارتباك.
بعضهم يرى أن القرار يجب أن يكون للأسرة، كما تقول أمل ممدوح: "الأولاد مش هيعرفوا مصلحتهم، إحنا اللي نختار". بينما تعتبر أخريات أن من حق الأبناء تقرير مستقبلهم بأنفسهم.
لكن دراسة دولية حديثة حذرت من أن تدخل الوالدين المفرط في قرارات المسار الدراسي قد يدفع الأبناء إلى الاكتئاب ورفض الأهل، مؤكدة أن الاستقلالية تعزز ثقة الطلاب بأنفسهم.
وهو ما يتفق معه الخبير التربوي د. مجدي حمزة الذي يرى أن ثقافة الإجبار، سواء من الوزارة أو من الأسر، تنتج أجيالًا ضعيفة في اتخاذ القرارات، داعيًا إلى دعم الأبناء بخمس خطوات عملية:
- دراسة الخيارات بهدوء
- الاختيار وفق قدراتهم
- تجنب فرض رغبات الأهل
- الابتعاد عن التخويف
- تقديم الدعم المستمر أياً كان القرار
بين الرؤية والإرباك
هكذا، يقف المشهد التعليمي المصري عند مفترق طرق:
- وزارة تسعى لإحداث "تحول جذري" في التعليم الثانوي.
- أسر تشعر بأنها تُدفَع إلى قرارات مصيرية دون ضمانات واضحة.
- خبراء يرون في النظام الجديد نقلة نوعية، لكنهم يحذرون من غياب الشفافية وآليات التطبيق.
وبينما يتطلع البعض إلى أن يكون الجيل الأول من طلاب البكالوريا روادًا لتجربة تعليمية حديثة، يخشى آخرون أن يكونوا ضحايا اختبار لم تكتمل ملامحه بعد.