شهدت سلالم نقابة الصحفيين بالقاهرة مساء الأحد وقفة احتجاجية شارك فيها عشرات الصحفيين والحقوقيين والسياسيين والنشطاء، مطالبين بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام الموقعتين بين مصر وإسرائيل عامي 1978 و1979، وذلك تزامنًا مع مرور 47 عامًا على توقيعهما.
جاءت الوقفة في إطار الفعاليات الشعبية المتواصلة للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
 

هتافات وشعارات ضد التطبيع
رفع المشاركون في الوقفة أعلام فلسطين وصورًا تجسد معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال والدمار، بينها صورة لطفل وجهه ملطخ بالدماء.
كما ارتدى الكثيرون الكوفيات الفلسطينية، مرددين هتافات تطالب بإلغاء الاتفاقية وفضح نتائجها، مثل: "اوعى يا مصري تخون أفكارك.. كامب ديفيد عاري وعارك"، و*"عيش حرية.. إلغاء الاتفاقية".

ولم يقتصر الأمر على الهتافات ضد كامب ديفيد، بل أطلق المشاركون شعارات داعمة للمقاومة الفلسطينية: "المقاومة هي الحل.. ضد الخاين والمحتل"، "يا حماس يا شعبية.. اوعى تسيبي البندقية"، "يا إما مقاومة يا إما سلاح.. مش مفاوضة مع السفاح"، و"يا كتائب القسام.. ما تخلي الصهيوني ينام"*.

وفي لحظة رمزية قوية، أحرق المحتجون العلم الإسرائيلي وداسوا عليه بأقدامهم، في رسالة مباشرة برفض التطبيع والتأكيد على مركزية خيار المقاومة.
 

حضور شخصيات عامة
شارك في الوقفة عدد من الوجوه البارزة في المشهد السياسي والحقوقي، من بينهم: الأكاديمية ليلى سويف، رئيس حزب الكرامة سيد الطوخي، الناشط السياسي أحمد دومة، القيادية بالحركة المدنية كريمة الحفناوي، والصحفية رشا عزب.
وجود هذه الشخصيات أضفى بعدًا سياسيًا ورسميًا على الوقفة، وأكد أنها ليست مجرد تحرك شعبي عفوي، بل تعبير عن موقف واضح لدى قطاع من النخبة المصرية.
 

وجود أمني مكثف
منذ اللحظة الأولى، بدا واضحًا الحضور الأمني الكثيف حول مقر النقابة، إذ أحيط السلم بالصدادات الحديدية لمنع خروج المشاركين إلى شارع عبد الخالق ثروت.

وقد تجلى التوتر عندما أخرج أحد السائقين هاتفه لتصوير الوقفة، فطالبه أحد رجال الأمن بحذف ما صوره، الأمر الذي أثار غضب المشاركين ودفعهم لتجاوز الصدادات الحديدية، ما استدعى استنفار القوات الأمنية وتسريع حركة المرور لامتصاص التوتر.
 

مطالبات بفتح معبر رفح والإفراج عن المعتقلين
إلى جانب رفض كامب ديفيد، طالب المحتجون الحكومة المصرية بفتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، مرددين: "افتحوا معبر رفح إن الكيل قد طفح".
كما وجهوا انتقادات مباشرة للحكومة، معتبرين أنها تقاعست في مواجهة العدوان الإسرائيلي، مرددين: "قولوا للجثث اللي بتحكمنا.. خلتونا في وسط هدومنا، ناقص إيه يحصل حوالينا.. الصهاينة عايزين سيناء".

كذلك طالبوا بالإفراج عن عشرات الشباب المحبوسين احتياطيًا بسبب مشاركتهم في فعاليات تضامنية مع فلسطين.
وحسب بيانات المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن حملات القبض منذ اندلاع العدوان على غزة طالت 186 شخصًا واجهوا اتهامات مكررة في 16 قضية أمام نيابة أمن الدولة، لمجرد مشاركتهم في أنشطة سلمية كالتظاهر أو رفع لافتات أو المشاركة في جهود الإغاثة.
 

تفاعل الشارع
لم تكن الوقفة معزولة عن محيطها.
فقد تفاعل المارة مع المشهد عبر تصويره أو إطلاق أبواق السيارات دعمًا للمحتجين.

هذا التفاعل الشعبي يعكس أن القضية الفلسطينية ما تزال قادرة على تحريك الشارع المصري، رغم التضييق الأمني الذي يواجه أي مظاهر احتجاجية.
 

سياق أوسع
تأتي هذه الوقفة كحلقة جديدة في سلسلة تحركات شهدتها نقابة الصحفيين خلال الأشهر الماضية تضامنًا مع غزة، وسط استمرار العدوان الإسرائيلي ورفض تل أبيب الالتزام بالهدن التي طرحت سابقًا.
ففي 18 مارس الماضي، رفضت إسرائيل استكمال المرحلة الثانية من هدنة أقرتها في يناير/كانون الثاني، واستأنفت حربها على القطاع، ما فاقم معاناة الفلسطينيين المحاصرين.

وتكشف وقفة نقابة الصحفيين الأخيرة أن كامب ديفيد ومعاهدة السلام لا تزالا مثار جدل داخلي في مصر، بعد مرور نحو نصف قرن على توقيعهما.
وبينما يصر النظام الحاكم على الالتزام بالمعاهدة كخيار استراتيجي، فإن قطاعات من النخبة والشارع ترى أن الاتفاقية قيدت دور مصر الإقليمي وأضعفت قدرتها على مواجهة الاحتلال.

وفي ظل تصاعد العدوان على غزة، يجد المحتجون في هذه اللحظة فرصة لإعادة طرح مطلب قديم جديد: إلغاء كامب ديفيد وإعادة الاعتبار لخيار المقاومة.
وبينما تتزايد الضغوط الأمنية على أي تعبير جماهيري عن هذا الموقف، فإن استمرار هذه الوقفات يبرهن أن القضية الفلسطينية ما زالت حية في ضمير المصريين، وأن السلام مع إسرائيل لم يتحول يومًا إلى سلام شعبي.

https://www.instagram.com/reel/DO32PC0gjmS/