يشهد المشهد السياسي في مصر تطورًا لافتًا مع إعلان محمد أبو الديار، المتحدث السابق باسم حملة المرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي، خوض انتخابات مجلس النواب المقبلة عن دائرة قلين بكفر الشيخ.

القرار يأتي بعد شهور قليلة من الإفراج عنه عقب حبسه عامًا في قضية التوكيلات الرئاسية، التي انتهت بإدانته و21 آخرين من مؤيدي الطنطاوي.
ورغم تجربة السجن القاسية، يصر أبو الديار على استكمال المسار السياسي، معتبرًا أن ترشحه لا يمثل "مغامرة شخصية"، بل امتدادًا لمشروع أوسع يسعى إلى تقديم بديل مدني ديمقراطي حقيقي في مواجهة ما يصفه بـ"المعارضة الوظيفية".
 

من السجن إلى الانتخابات
يستحضر أبو الديار في حديث مطول مع أحد المواقع الإلكترونية تجربته الأخيرة باعتبارها جزءًا من الثمن الطبيعي لأي مشروع سياسي مستقل في مصر.
فقد خرج من السجن وهو أكثر إصرارًا على المضي في خط الطنطاوي، ليس فقط من حيث الانتماء الفكري، بل حتى في طريقة الحديث ولغة الجسد، ما يجعل المقارنة بين الرجلين حاضرة باستمرار.

ويرى أن الانتخابات المقبلة هي اختبار حاسم لمستقبل حزب تيار الأمل الذي يسعى الطنطاوي لتأسيسه منذ أواخر 2023.
 

المعارضة "الحقيقية" في مواجهة "المعارضة الوظيفية"
ينتقد أبو الديار بشدة الأحزاب التي تشارك في الانتخابات عبر تحالفات مع السلطة، معتبرًا أنها "تبكي مع الراعي وتأكل مع الذئب"، أي تمارس ازدواجية سياسية بين خطاب معارض وصِلات وثيقة بالنظام.
في المقابل، يطرح تيار الأمل نفسه كقوة مختلفة تسعى لتقديم معارضة لا تهادن ولا تساوم، على حد تعبيره: "الناس محتاجة المعارضة اللي شايفة الغلط غلط والصح صح، ما فيش حاجة اسمها لون رمادي".

ويشير إلى أن عزوف المواطنين عن المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ يعكس تعطشهم لبديل حقيقي، بعدما أصبحت النتائج شبه محسومة لصالح القوائم الموالية للسلطة، في ظل نظام انتخابي يتيح لرئيس الجمهورية تعيين ثلث الأعضاء، ويجعل التنافس داخل القوائم شكليًا.
 

معركة قانونية وسياسية
أحد الأسئلة المطروحة حول ترشح أبو الديار يتعلق بموقفه القانوني بعد الحكم الصادر بحقه.
وهو يوضح أن الحكم لم يتضمن حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية، بخلاف ما جرى مع الطنطاوي.

ويرى أن المادة الثانية من قانون مباشرة الحقوق السياسية التي تحرم المدانين في جرائم انتخابية من الترشح، لا تنطبق عليه لأنه لم يكن مرشحًا حينها، بل مديرًا لحملة انتخابية.
ويستشهد باستمرار إدراج اسمه في قاعدة بيانات الناخبين ومشاركته في التصويت بانتخابات مجلس الشيوخ.
 

تيار الأمل بين التأسيس والملاحقة
أُعلن عن تأسيس حزب تيار الأمل في أكتوبر 2023، لكنه لا يزال في طور التأسيس بسبب العراقيل الأمنية.
فقد تمكن أنصاره من جمع نحو ألف توكيل فقط من أصل خمسة آلاف لازمة للإشهار، قبل أن تتوقف العملية تحت وطأة التضييق الأمني.
ووفق أبو الديار، تعرض العشرات من مؤيدي الحزب لملاحقات، بينهم نحو 146 لا يزالون محبوسين حتى الآن.

رغم ذلك، يرى أبو الديار أن الحزب قادر على ممارسة العمل السياسي حتى قبل استكمال التأسيس الرسمي، مشيرًا إلى وجود أحزاب أخرى مارست دورها وهي لا تزال "تحت التأسيس".
ويؤكد أن معركتهم لن تتوقف عند العقبات القانونية أو الأمنية، بل ستستمر ضمن الحدود التي يسمح بها القانون، مع التمسك برفض أي مهادنة أو تبعية.
 

تحالفات انتخابية وترتيبات ميدانية
على الصعيد الانتخابي، أعلن تيار الأمل عن الدفع بثمانية مرشحين في دوائر مختلفة، مع انفتاح على تشكيل تحالف مع أحزاب تتشابه معه في الأهداف.
ويقود الطنطاوي بنفسه مشاورات مع قوى يسارية وحزب المحافظين لبناء تحالف انتخابي يعرض نفسه كبديل حقيقي للسلطة.

فيما يخص النظام الانتخابي، يرفض أبو الديار المشاركة في القوائم المغلقة المطلقة التي يعتبرها امتدادًا لـ"قائمة السلطة"، مفضلًا خوض الانتخابات عبر المقاعد الفردية فقط.
ويقول إن أعضاء الحزب وجمهوره أيدوا هذا الخيار، معتبرين أنه أكثر واقعية وأقل خداعًا للناخبين.
 

الناخبون بين الخوف والأمل
رغم المضايقات التي واجهت عملية جمع التوكيلات، يراهن أبو الديار على أن سرية التصويت في صناديق الانتخابات ستمنح الناخبين حرية أكبر من التحرر من الضغوط الأمنية التي أحاطت بانتخابات الرئاسة السابقة.
ويؤكد أن أنصار تيار الأمل "قد يُستدعون أو يُضيق عليهم عند التوكيلات، لكنهم يستطيعون التصويت خلف الستارة دون خوف".
 

المشهد الأوسع
يرى محللون أن تجربة أبو الديار تمثل اختبارًا مزدوجًا: من جهة، لقدرة تيار الأمل على تحويل مشروعه من حركة احتجاجية مرتبطة بالطنطاوي إلى كيان سياسي راسخ؛ ومن جهة أخرى، لمدى جدية النظام في السماح بحد أدنى من التعددية داخل البرلمان.
فإذا جرى استبعاده أو التضييق عليه كما حدث مع الطنطاوي سابقًا، فإن ذلك سيؤكد أن المناخ الانتخابي في مصر ما زال مغلقًا أمام أي بدائل حقيقية.

الخلاصة أن دخول محمد أبو الديار معركة الانتخابات البرلمانية المقبلة تمثل خطوة رمزية وسياسية بالغة الأهمية.
فهي تعكس إصرار تيار الأمل على كسر دائرة القمع والتهميش عبر خوض المعركة من داخل المؤسسات الرسمية، رغم كل ما يواجهه من عراقيل.

وبينما يواصل النظام تشديد قبضته على المجال العام، يصر أبو الديار ورفاقه على المضي في طريق محفوف بالمخاطر، واضعين أمام أعينهم هدفًا واحدًا: تقديم معارضة مدنية حقيقية تعبر عن تطلعات المصريين الذين فقدوا الثقة في معارضة "الوظيفة".