في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية والسياسية، قررت لجنة الانتخابات المختصة باتحاد الصناعات المصرية استبعاد سيف ثابت، الرئيس التنفيذي لشركة جهينه للصناعات الغذائية، من قوائم المرشحين لانتخابات غرفة الصناعات الغذائية، وذلك بعد قبول طعن قُدم ضده.

القرار جاء رغم أن القضاء المصري كان قد برّأه ووالده صفوان ثابت، مؤسس الشركة، من التهم التي وُجهت إليهما سابقاً، وهو ما اعتبره مراقبون دليلاً جديداً على أن الاعتبارات الأمنية والسياسية باتت تتحكم في مصير رجال الأعمال منذ استيلاء عبد الفتاح السيسي على حكم مصر، بعيداً عن أي معايير قانونية أو قضائية.
 

سيف ثابت: من قفص الاتهام إلى قفص الإقصاء
يمثل سيف ثابت أحد أبرز وجوه الجيل الجديد من رجال الأعمال في مصر.
فقد قاد شركة جهينه خلال أصعب الفترات بعد حبس والده صفوان ثابت، وعمل على الحفاظ على موقعها كأكبر شركة للألبان والعصائر في السوق المصرية.
إلا أن مسيرته واجهت عراقيل ضخمة بعد القبض عليه هو الآخر في 2020 بتهم تتعلق بتمويل جماعة محظورة.

ورغم الإفراج عنه لاحقاً وتبرئته بحكم قضائي نهائي، فإن ملفه لا يزال موضع استهداف أمني واقتصادي، تجسد هذه المرة في منعه من الترشح لانتخابات اتحاد الصناعات.
 

قمع اقتصادي ممنهج
يرى خبراء أن استبعاد سيف ثابت يعكس نمطاً ممنهجاً في التعامل مع رجال الأعمال الذين يُشتبه في استقلاليتهم عن دوائر السلطة.
فالدولة، بحسب هؤلاء الخبراء، لم تعد تكتفي بالسيطرة على الاقتصاد عبر شركات تابعة للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية، بل تسعى أيضاً إلى تحجيم أي نفوذ لرجال أعمال يمكن أن يشكلوا "مراكز قوة" بديلة أو منافسة.

وفي هذا السياق، اعتبر مراقبون أن رسالة استبعاد ثابت واضحة: حتى لو برّأك القضاء، فإن السلطة الأمنية والسياسية تملك الكلمة الفصل.
 

القضاء في وادٍ والسلطة في وادٍ آخر
تبرئة القضاء لصفوان وسيف ثابت كان من المفترض أن تمثل صفحة جديدة للشركة وعائلتها، تعيد لهم حقوقهم الاقتصادية والسياسية، لكن القرار الأخير أظهر التناقض الصارخ بين المؤسسات القضائية وبين السلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية.
هذا التناقض، وفقاً لعدد من المحللين، يكرس صورة دولة "مزدوجة": قضاء يصدر أحكاماً بالبراءة، وأجهزة أمنية تفرض أحكامها الفعلية بالإقصاء والمنع والوصم.
 

تداعيات على مناخ الاستثمار
اقتصادياً، يبعث هذا القرار برسائل سلبية للغاية للمستثمرين المحليين والدوليين. إذ كيف يمكن لأي مستثمر أن يطمئن على استثماراته في بلد يُقصى فيه أحد أكبر رجال الأعمال في قطاع استراتيجي مثل الصناعات الغذائية، رغم براءته من كل التهم؟.

هذا السلوك، بحسب محللين اقتصاديين، يزيد من حالة عزوف المستثمرين الأجانب عن ضخ أموال جديدة في السوق المصرية، ويدفع رجال الأعمال المحليين إما للانصياع الكامل لدوائر السلطة، أو للهروب برؤوس أموالهم إلى الخارج.
 

جهينه بين الصمود والاستهداف
لا تخفى مكانة شركة جهينه كأحد أعمدة الاقتصاد الغذائي المصري، إذ تسيطر على نسبة كبيرة من سوق الألبان والعصائر.
وخلال السنوات الماضية، واجهت الشركة حصاراً غير معلن، سواء عبر تجميد أصول أو منع توسعات أو التضييق على إدارتها.

ورغم ذلك، استطاعت الحفاظ على وجودها، ما اعتُبر "معجزة اقتصادية" وسط بيئة عدائية.
واليوم، يضيف استبعاد سيف ثابت من انتخابات الغرفة الصناعية فصلاً جديداً في مسلسل الاستهداف الذي لم يتوقف منذ حبس والده قبل نحو 9 سنوات.
 

قمع سياسي بغطاء اقتصادي
القرار لا ينفصل عن المشهد السياسي العام في مصر، حيث يتعرض كل من يحاول التعبير عن استقلال اقتصادي أو سياسي للقمع المباشر أو غير المباشر. فالمعارضة في عهد السيسي لم تعد مقصورة على السياسيين أو الإعلاميين، بل طالت رجال الأعمال الذين يُنظر إليهم كخطر محتمل على سيطرة الدولة على المجالين الاقتصادي والسياسي. وبذلك يتحول الاقتصاد إلى أداة إضافية لإحكام السيطرة وتصفية الحسابات.

وأخيرا فاستبعاد سيف ثابت من انتخابات غرفة الصناعات الغذائية يؤكد أن القمع في مصر لم يعد سياسياً فقط بل اقتصادياً أيضاً، وأن الدولة ماضية في إخضاع جميع الفاعلين الاقتصاديين لسلطتها المطلقة. وهو ما يعمق أزمة الثقة بين الدولة والقطاع الخاص، ويضع علامات استفهام كبيرة على مستقبل الاستثمار والتنمية في بلد يعاني أصلاً من أزمات اقتصادية طاحنة.