أثار مصطفى مدبولي رئيس وزراء حكومة السيسي جدلاً واسعًا بتصريحاته الأخيرة حول المنطقة الصناعية الجديدة بالقنطرة شرق في محافظة الإسماعيلية، والتي قال إنها ستصل بصادراتها إلى نحو 25 مليار دولار سنويًا. ورغم أن الخطاب جاء في إطار الترويج لمشروعات الدولة، إلا أن خبراء الاقتصاد والصناعة سارعوا إلى تفنيد هذه الأرقام واعتبروها أقرب إلى الدعاية السياسية منها إلى التقديرات الواقعية.
أرقام تفوق طاقات الاقتصاد المصري
بحسب بيانات البنك المركزي المصري والجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن إجمالي الصادرات المصرية لا يتجاوز في المتوسط 50 مليار دولار سنويًا خلال السنوات الأخيرة، تشمل صادرات النفط والغاز والسلع الزراعية والصناعية كافة. وبذلك، فإن القول بأن منطقة صناعية واحدة ستساهم وحدها بنصف هذا الرقم يبدو ضربًا من المبالغة غير المحسوبة. الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق أكد أن هذا الرقم "غير منطقي"، موضحًا أن أي منطقة صناعية تحتاج إلى ما لا يقل عن عقدين من الزمن لتصل إلى طاقة إنتاجية كبيرة، إذا توافرت لها البنية التحتية والتمويل والاستقرار السياسي.
تحديات البنية التحتية
رغم الحديث الرسمي عن جاهزية المنطقة الصناعية بالقنطرة شرق، إلا أن الواقع على الأرض يشير إلى مشكلات متراكمة في البنية التحتية. فالمياه والكهرباء والطرق لم تصل بعد إلى مستوى يسمح باستيعاب استثمارات صناعية ضخمة. ويشير المهندس الصناعي أحمد عز العرب إلى أن المناطق الصناعية في مصر تواجه أصلًا تحديات في توفير الخدمات الأساسية، وهو ما يجعل وعود تحقيق صادرات بمليارات الدولارات أمرًا بعيدًا عن الواقع في المدى المنظور.
غياب المستثمرين الجادين
من بين العقبات التي تواجه المنطقة الصناعية بالقنطرة شرق هو غياب المستثمرين الكبار القادرين على ضخ استثمارات حقيقية في الصناعات التصديرية. فبحسب بيانات هيئة التنمية الصناعية، لا يزال عدد المصانع المسجلة محدودًا، ومعظمها مشروعات صغيرة أو متوسطة موجهة للسوق المحلي بالأساس. المحلل الاقتصادي خالد أبو بكر يرى أن "الحديث عن 25 مليار دولار صادرات يفترض وجود استثمارات بمئات المليارات من الدولارات، وهو ما لم يُعلن عنه أو يُرصد حتى الآن".
تجارب سابقة محبطة
تجارب مصر مع المناطق الصناعية الجديدة لم تكن مشجعة. فمناطق مثل العاشر من رمضان والسادات و6 أكتوبر رغم مرور عقود على إنشائها، لم تصل إلى مستويات تصديرية قريبة من الرقم الذي تحدث عنه مدبولي. ويشير الخبير الاقتصادي حسام الشاذلي إلى أن الوعود المتكررة من الحكومات المصرية بخصوص المناطق الصناعية غالبًا ما تتبخر أمام الواقع، بسبب غياب التخطيط الاستراتيجي والتنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة.
دعاية سياسية أكثر من خطة اقتصادية
يرى مراقبون أن تصريحات مدبولي تأتي في إطار محاولة الحكومة تعزيز صورة "الإنجازات" في وقت يعاني فيه الاقتصاد المصري من أزمة خانقة، تشمل نقص العملة الصعبة وارتفاع الدين الخارجي وتراجع قيمة الجنيه. ويرى المحلل السياسي محمد عصمت أن "الحكومة تحاول توجيه رسائل طمأنة للرأي العام والمستثمرين الدوليين، لكن المشكلة أن المبالغات المفرطة تنعكس سلبًا حين يتم تكذيبها بالحقائق والأرقام".
فرص محدودة للنجاح
حتى لو تم توفير استثمارات ضخمة للمنطقة الصناعية بالقنطرة شرق، فإن نجاحها مرهون بعوامل أخرى مثل تحسين بيئة الأعمال، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية، وخفض تكاليف الإنتاج، وتوسيع الاتفاقات التجارية مع الأسواق الخارجية. ويؤكد الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار أن مصر لم تنجح بعد في تهيئة بيئة استثمارية منافسة في المنطقة، إذ أن العديد من المستثمرين يفضلون التوجه إلى دول مثل المغرب وتركيا وفيتنام، حيث تتوفر بنية تحتية متقدمة وحوافز ضريبية مجزية.
وفي النهاية فإنه بين وعود مدبولي المبالغ فيها والواقع الاقتصادي المتردي، يبدو أن المنطقة الصناعية بالقنطرة شرق مرشحة لتكرار سيناريوهات سابقة من الوعود غير المحققة. فالحديث عن 25 مليار دولار صادرات سنويًا قد يخدم خطاب الحكومة في الوقت الراهن، لكنه يفتقر إلى أي أساس واقعي أو خطة واضحة قابلة للتنفيذ. وإذا لم تُوضع رؤية متكاملة تشمل تطوير البنية التحتية، جذب المستثمرين الجادين، ورفع كفاءة العمالة، فإن هذه المنطقة ستظل مجرد عنوان جديد في قائمة الوعود الحكومية التي لم ترَ النور.