يشهد مجمع شركة مصر للألومنيوم في نجع حمادي بمحافظة قنا واحدة من أكبر موجات الاحتجاج العمالي خلال السنوات الأخيرة، حيث يواصل أكثر من 4 آلاف عامل إضرابهم واعتصامهم لليوم الثالث على التوالي، احتجاجاً على خفض نصيبهم من الأرباح، وللمطالبة بزيادات في الحوافز وبدلات المخاطر، في ظل ظروف اقتصادية ومعيشية يصفها العمال بـ"الطاحنة".

منذ الساعات الأولى لانطلاق الإضراب، تحولت ساحة الشركة العملاقة إلى منصة مفتوحة للهتافات واللافتات المطالبة بالعدالة. العمال الذين يمثلون عصب الإنتاج في واحد من أهم المصانع الاستراتيجية في مصر، أكدوا أن خطواتهم التصعيدية لم تأت من فراغ، وإنما بعد تراكم شعور بالإجحاف وتراجع حقوقهم المالية.
 

جذور الأزمة
تعود تفاصيل الأزمة إلى قرار الإدارة الأخير بخفض نسبة العمال من الأرباح السنوية، الأمر الذي فجر موجة غضب واسعة، خاصة أن الشركة حققت أرباحاً معتبرة في السنة المالية الماضية. يقول العمال إن مساهماتهم في تحقيق هذه النتائج لا يمكن إنكارها، وأن تحميلهم تبعات أي خطط للإصلاح أو إعادة الهيكلة يمثل ظلماً صارخاً.

الأزمة ليست وليدة اليوم، إذ سبقتها خلافات متكررة حول الحوافز وبدلات المخاطر التي يحصل عليها العاملون. في مصنع يعتمد على درجات عالية من الحرارة والتعرض لمواد خطرة أثناء الإنتاج، يرى العمال أن بدل المخاطر حق أساسي لا يجوز المساس به، بل يجب زيادته مع ارتفاع معدلات التضخم والأسعار.
 

 

مطالب واضحة
يرفع العمال لافتات وشعارات تختصر مطالبهم في ثلاث نقاط أساسية:

  • إعادة النظر في نسبة الأرباح لتعود إلى مستوياتها السابقة.
  • زيادة الحوافز الشهرية بما يتناسب مع ظروف السوق وارتفاع تكلفة المعيشة.
  • رفع بدل المخاطر بشكل يتناسب مع طبيعة العمل القاسي داخل مصانع الألومنيوم.

ويؤكد المعتصمون أنهم لن ينهوا الإضراب إلا بعد الاستجابة لمطالبهم، مشيرين إلى أنهم خاطبوا الإدارة أكثر من مرة لكنهم قوبلوا بسياسات "المماطلة والتجاهل".
 

تداعيات اقتصادية
توقف العمل في أكبر مصانع الألومنيوم بالشرق الأوسط لا يمر مرور الكرام. الشركة التي تساهم بشكل أساسي في سد احتياجات السوق المحلي من الألومنيوم تواجه خسائر بملايين الجنيهات يومياً جراء توقف الإنتاج. كما يتوقع أن يمتد تأثير الإضراب إلى الصناعات المعتمدة على الألومنيوم، مثل مواد البناء وصناعة السيارات والأدوات المنزلية.

وبحسب خبراء اقتصاد، فإن استمرار الإضراب لأيام إضافية سيضغط على الحكومة لإيجاد مخرج سريع، إذ أن الشركة مدرجة ضمن قائمة الكيانات الاستراتيجية التي تمثل أهمية خاصة للاقتصاد القومي.
 

غياب الحوار الاجتماعي
اللافت في الأزمة الحالية هو غياب قنوات الحوار الجادة بين الإدارة والعمال. فرغم تشكيل لجنة وزارية لمتابعة التطورات، يشكو العمال من غياب أي مفاوضات مباشرة تستجيب لمطالبهم. ويرى مراقبون أن تفاقم الأزمات العمالية في مصر يرتبط أساساً بضعف النقابات المستقلة وتقييد الحريات النقابية، ما يجعل الإضراب الخيار الأخير أمام العمال.

كما يشير البعض إلى أن الحكومة التي تسعى إلى جذب استثمارات صناعية جديدة لا تستطيع تجاهل مشهد آلاف العمال المعتصمين داخل شركة كبرى، خاصة في ظل حالة التململ الاجتماعي المتزايدة.
 

صمود العمال ورسائلهم
رغم محاولات التهدئة، يصر العمال على البقاء داخل أسوار المصنع حتى تحقيق مطالبهم. أحد العمال المعتصمين قال: "نحن لا نطلب المستحيل، فقط حقوقنا التي كفلها القانون وجهدنا اليومي في العمل"، بينما أضاف آخر: "إذا كانت الشركة تربح، فمن حقنا أن نربح معها، وإذا كانت تمر بأزمة، فنحن أول من يتأثر، لكن لا نقبل أن نُحمَّل وحدنا التكلفة".

رسائل العمال تتجاوز حدود المصنع، فهي تعكس أزمة أوسع تتعلق بتوزيع عوائد الأرباح والعدالة الاجتماعية في مصر. فبينما تحقق الشركات الاستراتيجية أرباحاً كبرى، يظل العامل البسيط يئن تحت وطأة الغلاء وضعف الأجور.

وفي النهاية فإضراب عمال مصر للألومنيوم ليس مجرد احتجاج عابر، بل جرس إنذار يقرع بقوة في وجه الحكومة والإدارة معاً. استمرار الأزمة من دون حل جذري سيضر بالاقتصاد ويزيد من حدة الاحتقان الاجتماعي.
في المقابل، يبقى مستقبل الإضراب رهناً بقدرة الأطراف كافة على فتح باب الحوار الجاد والاستجابة لمطالب العمال المشروعة. فالمعادلة واضحة: لا إنتاج بلا عدالة، ولا استقرار بلا حقوق.