أثارت تصريحات مصطفى مدبولي، حول رفع أسعار المحروقات والكهرباء اعتباراً من أكتوبر المقبل، صدمة واسعة في الأوساط الشعبية والاقتصادية.
فالقرار يأتي في وقت يتزامن مع بداية العام الدراسي الجديد، حيث تعاني الأسر من أعباء مالية ثقيلة جراء ارتفاع مصروفات المدارس، ورسوم النقل، وأسعار المستلزمات التعليمية.
ورغم وصف مدبولي الزيادة المرتقبة بأنها قد تكون "الزيادة الكبيرة الأخيرة"، فإن كثيرين اعتبروا التصريح استخفافاً بمعاناة المواطنين، خاصة أن القرار يرتبط بشكل مباشر بالتزامات مصر تجاه صندوق النقد الدولي.
صدمة مجتمعية واقتصادية
بحسب مصدرين مطلعين في لجنتي الخطة والموازنة والطاقة والبيئة بمجلس النواب، من المتوقع أن ترتفع أسعار البنزين بنسبة تصل إلى 15%، والسولار بالحدود نفسها، فيما ترتفع أسطوانات الغاز للاستخدام المنزلي والتجاري بنسبة 25%، والمازوت بنسبة 10%.
هذه الزيادات لم تقتصر تداعياتها على الاقتصاد الكلي فحسب، بل انعكست فوراً على حياة المواطنين، حيث بدأت شركات النقل والمصانع في تعديل أسعار خدماتها ومنتجاتها بشكل استباقي.
التوقيت أضاف صدمة أخرى، إذ جاء القرار قبيل أيام قليلة من بدء العام الدراسي، ما ضاعف الضغوط على الأسر.
انعكاسات كارثية على النقل المدرسي
كانت شركات النقل المدرسي أول المتأثرين بالقرار. فقد رفعت المدارس رسوم نقل الطلاب السنوية بنسبة تتراوح بين 25% و30%، كما أوقفت بعض المدارس خطوط السير الطويلة بسبب ارتفاع تكلفة التشغيل.
تروي المحاسبة في أحد البنوك، هناء ياسين (41 عاماً)، تجربتها بعد أن فوجئت بوقف خط السير الذي ينقل أبناءها الثلاثة من حي الزمالك إلى مدينة الشيخ زايد.
وتقول إن إلغاء خط النقل المدرسي حرمها من الأمان والاطمئنان، وأجبرها على البحث عن سيارات أجرة أو نقل جماعي بتكلفة مضاعفة، وهو ما يرهق ميزانية الأسرة.
هذه الحالة الفردية تعكس مأساة مئات الأسر التي تواجه مصيراً مشابهاً مع ارتفاع تكلفة النقل لتصل إلى 40 ألف جنيه سنوياً في بعض المناطق.
موجة غلاء تضخمية شاملة
لم يقتصر أثر القرار على قطاع التعليم والنقل، بل امتد إلى جميع القطاعات الإنتاجية.
فالشركات الصناعية والتجارية بدأت التحوط لارتفاع أسعار التشغيل بنسبة تصل إلى 20%، نتيجة الزيادة المرتقبة في أسعار الكهرباء والوقود.
ووفقاً للمصادر البرلمانية نفسها، ستُحرَّر أسعار البنزين والغاز للمصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة، بينما يظل الدعم الجزئي للسولار والمازوت المستخدم في النقل وإنتاج الخبز.
هذه التغييرات ستؤدي حتماً إلى موجة تضخم جديدة، تصيب السلع الغذائية وغير الغذائية على السواء، ما يزيد العبء على المواطن الذي يواجه أصلاً معدلات تضخم مرتفعة.
تفاقم أزمة التعليم ومصروفاته
قطاع التعليم كان من أبرز المتضررين.
فقد ارتفعت مصروفات المدارس الحكومية والخاصة بشكل ملحوظ، كما أجبرت إدارات المدارس الطلاب على شراء الكتب المدرسية كاملة، رغم توافرها مجاناً على شبكة الإنترنت.
النائب البرلماني محمد زين الدين انتقد هذه السياسات في بيان موجه لوزير التعليم، مؤكداً أن فرض شراء الكتب رغم إمكانية استعارتها أو تبادلها بين الطلاب "أثار موجة من الغضب بين أولياء الأمور".
ورغم الضغوط الشعبية والبرلمانية التي أجبرت الوزير محمد عبد اللطيف على الموافقة بتقسيط المصروفات الدراسية على أربعة أقساط، فإن القرار اعتبره أولياء الأمور مجرد إجراء شكلي لا يخفف العبء الحقيقي، خصوصاً مع ارتفاع تكلفة المستلزمات المدرسية بنسبة تتراوح بين 40% و60% خلال الموسم الدراسي الجاري.
التبعية لصندوق النقد الدولي
الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب أوضح أن توجه الحكومة لرفع أسعار المحروقات والكهرباء ليس خياراً داخلياً، بل التزام تعهدت به مصر في اتفاقها مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قيمته 8 مليارات دولار.
وأضاف أن الصندوق يمارس ضغوطاً كبيرة على الحكومة لدفعها إلى تنفيذ التزاماتها قبل صرف الشريحتين الخامسة والسادسة من القرض، البالغتين 2.5 مليار دولار، فضلاً عن قرض الاستدامة بقيمة 1.3 مليار دولار.
هذه التصريحات تكشف بوضوح أن سياسات الحكومة مرتبطة بشروط خارجية، وأن المواطن المصري يتحمل وحده كلفة هذه التبعية.
غياب الحماية الاجتماعية وفقدان الثقة
ورغم جسامة القرارات، لم تعلن الحكومة عن خطط لحماية الأسر الفقيرة والمتوسطة.
تصريحات مدبولي بأن "الزيادة الكبيرة المقبلة قد تكون الأخيرة" لم تطمئن الشارع، خاصة أن آلية التسعير التلقائي للوقود ستبقي الأسعار رهينة لتقلبات أسعار النفط العالمية وسعر الدولار.
هذا الغياب لسياسات حماية اجتماعية فعالة يزيد فجوة الثقة بين المواطن والحكومة، ويعمق شعور المصريين بأنهم وحدهم من يدفعون ثمن الإصلاح الاقتصادي.
وأخيرا فإن قرار رفع أسعار المحروقات والكهرباء يمثل حلقة جديدة في سلسلة السياسات الاقتصادية التي تثقل كاهل المواطن المصري.
وبينما تبرر الحكومة القرار بالالتزامات الدولية، فإنها تتجاهل توفير شبكة حماية اجتماعية تحمي الفئات الأكثر هشاشة.
تصريحات الخبراء والنواب والمواطنين تؤكد أن المجتمع يعيش حالة من الاحتقان نتيجة هذه السياسات، وأن غياب بدائل واقعية أو خطط لتخفيف الأعباء يهدد الاستقرار الاجتماعي.