رغم التراجع الأخير في سعر الدولار أمام الجنيه المصري للمرة الأولى منذ بداية 2025، إلا أن الأسواق المحلية لم تشهد أي انعكاس إيجابي على الأسعار، بل استمرت موجة الغلاء، ما أثار حالة من القلق والإحباط لدى المواطنين.

وبينما تزعم حكومة الانقلاب أن الأسعار في طريقها للانخفاض، يؤكد التجار والمستهلكون أن الواقع مختلف تمامًا، إذ لا تزال تكلفة السلع والخدمات عند مستويات مرتفعة، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبرى حول جدوى أي تحسن في سعر العملة إذا لم يلمس المواطن نتائجه في حياته اليومية.
 

جرس إنذار للاقتصاد
شهد سعر صرف الدولار تقلبات سريعة خلال الأسبوع الماضي، إذ تراجع لأول مرة دون مستوى 48 جنيهًا، قبل أن يعاود الارتفاع مع بداية تعاملات اليوم.
ففي البنوك الحكومية والخاصة، تراوحت أسعار الصرف بين 48.10 و48.41 جنيهًا، بينما سجل البنك المركزي متوسطًا قدره 47.93 جنيه للشراء و48.06 جنيه للبيع.

الخبير الاقتصادي مصطفى عادل وصف هذا التراجع بأنه "جرس إنذار"، مشيرًا إلى أن الانخفاض بنسبة 5.9% مقارنة بأعلى مستوى هذا العام لم ينعكس على الأسعار كما كان متوقعًا.
وأكد أن المواطنين اعتادوا على زيادة الأسعار بمجرد ارتفاع الدولار، لكن مع انخفاضه لم يتغير شيء، ما يثير حالة من الإحباط والشكوك حول فعالية السياسات الاقتصادية.
 

تقلبات الجنيه وصفقات إنعاش مؤقتة
الدكتور كريم حسن أوضح أن الجنيه المصري مر بتقلبات كبيرة خلال السنوات الأخيرة، إذ فقد أكثر من ثلثي قيمته منذ 2022، قبل أن يشهد بعض التحسن النسبي في 2024 مع صفقة "رأس الحكمة" التي ضخت 35 مليار دولار في الاقتصاد.
كما ساعدت صفقات كبرى مثل مشاريع الساحل الشمالي وصفقة مراسي البحر الأحمر على تهدئة المضاربات، إلى جانب الموسم السياحي الاستثنائي وزيادة تحويلات المصريين.

لكن حسن شدد على أن هذه التحسينات تبقى مؤقتة ولا تعكس قوة حقيقية للجنيه، بل تعتمد على تدفقات استثنائية.
وأضاف أن سعر الدولار لا يزال متأثرًا بشكل مباشر بالأخبار الاقتصادية والسياسية، ما يجعل الاستقرار بعيد المدى أمرًا صعب التحقيق.
 

السوق السوداء تعمّق الأزمة
رغم التحركات الرسمية، تبقى السوق السوداء عاملًا مؤثرًا يضغط على سعر الدولار، إذ تقيّم العملة أحيانًا بأكثر من 35% من قيمتها الرسمية.
هذا التلاعب يربك الأسواق ويخلق فجوة بين السعر الرسمي والموازي، ويزيد من الضغوط على الجنيه.

على الصعيد العالمي، يشهد الدولار تراجعًا نسبيًا نتيجة قرارات الفيدرالي الأمريكي بشأن الفائدة، ما قد يخفف الضغط على العملات الناشئة ومنها الجنيه المصري.
غير أن غياب رقابة صارمة على الأسواق المحلية يجعل من الصعب أن يشعر المواطن بأي فائدة مباشرة من هذا التراجع.
 

المواطن بين الغلاء والوعود الحكومية
المواطن البسيط يظل الخاسر الأكبر في معركة الدولار والجنيه. فبينما تتحدث الحكومة عن انخفاض قادم في الأسعار، يواجه المستهلكون زيادات متواصلة في تكلفة المعيشة.
ويؤكد الخبراء أن استقرار الأسواق لن يحدث قبل مرور 3 إلى 6 أشهر على الأقل من التراجع المستمر للدولار، ومع وجود سياسات صارمة لضبط السوق وكبح جشع التجار.

لكن حتى يتحقق ذلك، يعيش المواطن في حالة من القلق والانتظار، إذ لا تكفي المؤشرات المالية وحدها لإصلاح الوضع، بل يتطلب الأمر إرادة سياسية وإجراءات عملية تضمن أن يلمس المواطن التحسن في جيبه، لا على شاشات البنوك فقط.
يبقى الجنيه المصري عالقًا بين تقلبات الدولار وتباطؤ انعكاس هذه التحركات على الأسواق.
فبينما تسعى الحكومة لتقديم صورة مطمئنة عن الاقتصاد، يواجه المواطن واقعًا أكثر قسوة، حيث تستمر الأسعار في الارتفاع رغم تحسن نسبي في سعر الصرف.

ومع استمرار تدخل السوق السوداء وضعف الرقابة الحكومية، يبدو أن الأزمة مرشحة للاستمرار، ما لم تتخذ خطوات جادة تضمن استفادة حقيقية للناس من أي تحسن في قيمة العملة المحلية.