تتوالى الصدمات الاقتصادية على مصر مع إعلان صندوق النقد الدولي توقعاته بوصول الدين الخارجي للبلاد إلى 202 مليار دولار بحلول عام 2030، وهو رقم قياسي يكشف حجم الفشل الحكومي في إدارة الاقتصاد.
فبدلًا من الاعتماد على خطط إنتاجية أو تنموية حقيقية، استسهلت السلطة سياسة الاقتراض المفرط، لتغرق الأجيال القادمة في ديون وفوائد متراكمة.

وبدل أن تكون هذه القروض أداة للنهوض، تحولت إلى عبء خانق على الميزانية العامة، في وقت يواجه فيه المواطن غلاءً غير مسبوق وتراجعًا في مستوى المعيشة.
 

عبء الديون يلتهم الموازنة
أحد أبرز التحديات المرتبطة بتفاقم الدين الخارجي هو استنزاف الموازنة العامة عبر خدمة الدين، حيث تذهب مليارات الدولارات سنويًا لسداد الأقساط والفوائد بدلًا من الاستثمار في الصحة أو التعليم أو البنية التحتية.
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله أن "الاعتماد المفرط على الاقتراض الخارجي يعكس غياب رؤية اقتصادية حقيقية، فالحكومة لا تملك سوى سياسة الاستدانة المؤقتة التي تؤجل الانفجار لكنها لا تمنع وقوعه".
 

مخاطر على الاستقرار النقدي وسعر الصرف
يرى هاني جنينة، الخبير الاقتصادي، أن تضخم الدين الخارجي يعني ضغوطًا إضافية على الجنيه المصري مستقبلًا، خصوصًا مع ارتفاع التزامات السداد بالعملة الأجنبية.
ويضيف: "الاقتصاد المصري بات هشًا أمام أي صدمات خارجية، سواء في أسعار الفائدة العالمية أو أسعار السلع الأساسية".

أما رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، فيحذر من أن استمرار الاعتماد على القروض سيقوض استقرار السياسة النقدية، ويجعل مصر رهينة لقرارات الدائنين وشروط المؤسسات الدولية.
 

الاستثمار والإنتاج.. الغائب الأكبر
بدلًا من أن تتوجه القروض لمشروعات إنتاجية تدر عملة صعبة، تُنفق في الغالب على مشروعات إنشائية أو لسد عجز الموازنة.
الخبير الاقتصادي محمد عبدالعال يرى أن "غياب أولويات واضحة في إنفاق القروض جعل عوائدها الاقتصادية شبه منعدمة، فلو أنفق جزء منها على الزراعة أو الصناعة لكان الوضع مختلفًا".

بينما يؤكد ممدوح الولي، نقيب الصحفيين الأسبق والخبير الاقتصادي، أن "الاقتراض دون خطة متكاملة يضعف قدرة الدولة على جذب استثمارات حقيقية، لأن المستثمر لا يثق في اقتصاد مرهون بالديون".
 

مستقبل غامض وديون تتضاعف
مع توقعات صندوق النقد، تبدو مصر مقبلة على مرحلة أكثر صعوبة. إذ تشير التقديرات إلى أن الدين الخارجي لن يكون مجرد أرقام على الورق، بل عبئًا يحد من سيادة القرار الاقتصادي ويزيد من التبعية للخارج.

ويقول الخبير الاقتصادي محمود وهبة إن "الوصول إلى هذا المستوى من الديون يعني أن مصر ستكون مضطرة لبرامج تقشفية أقسى، وضغوط سياسية واقتصادية من المقرضين".
بينما يضيف عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والسياسية، أن "الحل الوحيد للخروج من دائرة الاقتراض هو إعادة هيكلة الاقتصاد نحو التصدير والصناعة، وليس التوسع في الاستدانة".

وتكشف توقعات صندوق النقد عن مسار مقلق، إذ تتحول مصر تدريجيًا إلى دولة مرهونة بالديون وفوائدها.
وبينما تبرر الحكومة هذه القروض بأنها ضرورة مرحلية، يؤكد الخبراء أن الاستدانة دون خطة إنتاجية واضحة ستؤدي إلى أزمة اقتصادية خانقة بحلول 2030.

ومع استمرار السياسات الحالية، لن يكون المواطن مجرد متضرر من الغلاء والتضخم، بل سيدفع ثمن الديون من حاضره ومستقبل أجياله القادمة.