مع تزايد الضغوط الاقتصادية، واشتراطات صندوق النقد الدولي الجديدة لصرف الدفعة القادمة من قرضه لمصر، تسعى حكومة مصطفى مدبولي لتسريع برنامج الطروحات الاقتصادية عبر بيع حصص من شركات وأصول مملوكة للدولة بقيمة 3 مليارات دولار خلال العام المالي الجاري 2025. خطوة تراها الحكومة حلاً لأزمتها المالية، بينما يصفها مراقبون بأنها بيع ممنهج لمقدرات البلاد، يهدد بفقدان السيادة على قطاعات استراتيجية وحيوية.
 

صندوق النقد يفرض شروطًا قاسية
بحسب مصادر حكومية مطلعة، جاء اشتراط صندوق النقد الأخير واضحًا: ضرورة خفض دعم الوقود وتسريع برنامج بيع الأصول الاستراتيجية قبل صرف شريحة الـ274 مليون دولار. ويبدو أن الحكومة لم تجد مفرًا من الاستجابة، حيث سارعت بالإعلان عن حزمة جديدة من الطروحات في قطاعات حساسة، بهدف جمع العملة الصعبة وطمأنة الدائنين، رغم خطورة هذه الخطوات على المدى الطويل.
 

المطارات المصرية على قائمة البيع
أخطر ما كشفته المصادر هو أن قائمة الأصول المرشحة للبيع هذا العام تضم مطارات مصرية، من بينها مطار القاهرة الدولي وعدد من المطارات السياحية المهمة مثل مطار شرم الشيخ والغردقة. وأوضحت أن الحكومة تدرس بيع حصص تشغيل وإدارة لشركات أجنبية، ضمن ما يُعرف بالشراكة أو الخصخصة الجزئية. لكن خبراء يحذرون من أن هذه الخطوة ستفقد مصر السيطرة على شريان سيادي بالغ الأهمية يتعلق بالأمن القومي وحركة الملاحة الجوية.
 

أصول استراتيجية أخرى مطروحة
لا تقف قائمة البيع عند حدود المطارات، بل تشمل أيضًا:

  • شركات الكهرباء والطاقة: التوسع في خصخصة محطات توليد الكهرباء وبيع حصص إضافية لمستثمرين خليجيين وأجانب.
  • الموانئ البحرية: استكمال صفقات منح الامتياز لموانئ الإسكندرية ودمياط وسفاجا لشركات إماراتية وسعودية.
  • شركات الاتصالات: تداولات حول بيع حصة جديدة من الشركة المصرية للاتصالات، بما يشمل حقوق تشغيل بعض البنية التحتية الرقمية.
  • البنوك العامة: طرح حصص إضافية في بنوك رائدة مثل بنك القاهرة والمصرف المتحد، وهو ما قد ينهي الدور الوطني للبنوك الحكومية في دعم الاقتصاد.
  • شركات إنتاج الأدوية والأسمنت والأسمدة: إدراجها ضمن الطروحات المرتقبة، مع أولوية للمستثمرين الأجانب.

 

انتقادات وتحذيرات
يرى خبراء اقتصاديون أن الحكومة تمضي في سياسة بيع الأصول لتعويض عجزها المالي بدلًا من إصلاح الاقتصاد بشكل جذري.
ويؤكدون أن بيع أصول كالمطارات أو الموانئ لا يمثل فقط نزيفًا لمقدرات الأجيال القادمة، بل يعرض الأمن القومي المصري لمخاطر، حيث ستتحكم شركات أجنبية في منافذ البلاد الجوية والبحرية.

الخبير الاقتصادي ممدوح الولي حذر من أن الطروحات الأخيرة "تمثل رهنًا لمستقبل مصر الاقتصادي"، مشيرًا إلى أن حصيلة البيع لن تُستثمر في مشاريع إنتاجية، بل ستذهب لسداد ديون وفوائد خارجية متراكمة.
فيما وصف باحثون آخرون هذه السياسة بأنها "بيع تحت الإكراه"، نتيجة تبعية النظام الكامل لشروط صندوق النقد والدائنين.
 

إلى أين تتجه مصر؟
مع بلوغ الديون الخارجية لمصر أكثر من 170 مليار دولار وتزايد أعباء خدمتها، يبدو أن الحكومة لا تملك سوى خيار بيع المزيد من الأصول الاستراتيجية، في وقت يتصاعد فيه الغضب الشعبي من استمرار سياسات الخصخصة الجائرة.

وبينما تروج السلطة لهذه الطروحات باعتبارها استثمارًا وشراكة مع الخارج، يراها معارضون "صفقة خاسرة" ستجعل مصر مجرد سوق مستهلك، بلا سيطرة على مقدراته ولا ضمان لأمنه القومي.
 

خلاصة:
الطروحات الاقتصادية التي تستهدف الحكومة من خلالها جمع 3 مليارات دولار ليست مجرد خطوة مالية عابرة، بل هي محطة مفصلية في مسار بيع أصول الدولة، من المطارات إلى الموانئ والبنوك.
ومع كل شريحة قادمة من صندوق النقد، يبدو أن قائمة الأصول المعروضة للبيع ستزداد طولًا، ما يضع مصر أمام معادلة صعبة: إما الحفاظ على سيادتها الاقتصادية أو الانصياع الكامل لشروط الخارج.