في مشهد يعكس عمق أزمات القطاع الصحي في مصر، قرر وزير الصحة خالد عبدالغفار، إحالة واقعة المضاعفات الخطيرة التي تعرض لها عدد من المرضى عقب إجراء عمليات رمد بمستشفى 6 أكتوبر إلى النائب العام، مع إيقاف مدير المستشفى وفريق الأطباء المسؤولين عن تلك العمليات لحين انتهاء التحقيقات.

ورغم تأكيد الوزير على أنه "لن يتم التهاون في سلامة المرضى وحقوقهم"، إلا أن القضية تكشف عن خلل إداري ورقابي ممتد يتجاوز حدود واقعة واحدة.
 

تفاصيل الواقعة: مضاعفات تهدد البصر
القصة بدأت حين خضع عدد من المرضى لعمليات في قسم الرمد بمستشفى 6 أكتوبر، ليتبين بعد ساعات وأيام قليلة أن بعضهم يعانون من مضاعفات صحية جسيمة، وصلت لدى بعض الحالات إلى تهديد بفقدان البصر بشكل دائم.
أسر المرضى المصابين أكدوا أن الأعراض ظهرت سريعًا، وشملت التهابات شديدة وآلام حادة وتدهورًا مفاجئًا في القدرة على الإبصار، ما دفعهم إلى التقدم بشكاوى عاجلة.

الأمر الذي صدم الرأي العام هو أن هذه العمليات لم تُجرَ في عيادات خاصة صغيرة مجهولة، بل داخل مستشفى حكومي معروف، ما يثير تساؤلات خطيرة حول مستوى الرقابة الطبية ومعايير التعقيم وسلامة الإجراءات.
 

تحرك الوزارة.. خطوة أم تغطية؟
وزير الصحة خالد عبدالغفار أعلن على الفور إيقاف مدير المستشفى وفريق الأطباء القائمين على العمليات، وأحال الملف بالكامل إلى النائب العام للتحقيق.

كما شدد على أن الوزارة "لن تتهاون في محاسبة المقصرين".

لكن مراقبين اعتبروا أن هذه الإجراءات، رغم أهميتها، تعكس أسلوبًا متكررًا تلجأ فيه الوزارة إلى تحميل الأطباء والإدارة المباشرة المسؤولية، بينما تتهرب من معالجة أصل المشكلة المتمثل في غياب الرقابة الصارمة وضعف المنظومة الصحية ككل.
 

غياب الرقابة وتكرار الكوارث
ليست هذه الحادثة الأولى من نوعها في مصر، فقد شهدت السنوات الأخيرة سلسلة من الكوارث الطبية التي أودت بحياة مرضى أو تسببت في عاهات مستديمة لهم.
من أبرزها فضائح "غسيل الكلى الملوث" في بعض المحافظات، وأزمات أدوية التخدير منتهية الصلاحية، وحوادث الإهمال داخل وحدات الرعاية الحرجة.

كل هذه الحوادث تشترك في قاسم واحد: غياب آليات رقابية فعالة، وضعف محاسبة القيادات العليا، والاكتفاء بتعليق الأخطاء على شماعة "الأطباء المنفذين" أو "الإدارة المحلية".
 

ردود فعل غاضبة
أهالي المرضى الذين أصيبوا بمضاعفات عبروا عن غضبهم العارم، وطالبوا بمحاكمة عادلة لا تقتصر على الأطباء المباشرين فقط، بل تمتد إلى القيادات الصحية التي سمحت بحدوث هذه الكارثة.
بعضهم وصف ما حدث بأنه "جريمة مكتملة الأركان"، وأن فقدان البصر ليس مجرد خطأ طبي عابر، بل نتيجة إهمال جسيم كان يمكن تجنبه.

من جانب آخر، دعا خبراء الصحة العامة إلى مراجعة شاملة لإجراءات التعقيم في المستشفيات الحكومية، وفرض رقابة يومية على العمليات الجراحية، خاصة في التخصصات الدقيقة مثل طب العيون، حيث أي خطأ قد يؤدي إلى نتائج كارثية.
 

أزمة ثقة متنامية
الحادثة الأخيرة تضع وزارة الصحة في مواجهة أزمة ثقة جديدة مع المواطنين.
فبدلًا من أن يشعر المريض بالأمان حين يدخل إلى مستشفى حكومي، باتت المستشفيات مصدر خوف وقلق، مع تكرار حالات الإهمال الطبي. هذه الأزمة تهدد سمعة المنظومة الصحية برمتها وتزيد من هجرة الأطباء الأكفاء إلى الخارج، في وقت تعاني فيه مصر من عجز حاد في عدد الأطباء والكوادر المتخصصة.
 

مسؤولية سياسية لا مهنية فقط
رغم إحالة الواقعة إلى النائب العام وإيقاف المسؤولين المباشرين، يبقى السؤال: هل يكفي ذلك لمعالجة أصل الأزمة؟
الحقيقة أن ما يحدث في المستشفيات المصرية لا يمكن فصله عن السياسات الحكومية التي أهملت قطاع الصحة لسنوات طويلة، ولم تخصص له ما يكفي من ميزانية أو تدريب أو رقابة.

إن المسؤولية في حادثة مستشفى 6 أكتوبر لا تقع على الأطباء فقط، بل على وزير الصحة والحكومة مجتمعة. وما لم يتم الاعتراف بهذا الخلل ومعالجته بجدية، فإن مثل هذه الكوارث ستتكرر، وسيدفع المواطن البسيط الثمن من صحته وحياته.