دخلت مصر من جديد في دائرة التبعية الكاملة لصندوق النقد الدولي، بعدما أعلن الأخير موافقته على صرف 274 مليون دولار فقط ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، مقابل شروط قاسية تتضمن خفض دعم الوقود وتسريع وتيرة بيع أصول الدولة.
ورغم أن المبلغ زهيد مقارنة بحجم الأزمة، إلا أن الحكومة المصرية اندفعت كعادتها لتنفيذ أوامر الصندوق، غير آبهة بما قد يترتب على ذلك من مآسٍ اقتصادية واجتماعية.
 

خفض دعم الوقود.. قرار ينهك المواطن لا الدولة
الشرط الأول الذي يفرضه الصندوق – خفض دعم الوقود – لم يكن مفاجئًا، لكنه يمثل ضربة قاسية جديدة للمواطن المصري.
فالقرار يعني زيادة جديدة في أسعار البنزين والسولار، وما يترتب على ذلك من ارتفاع جماعي في أسعار السلع والخدمات.

الحكومة التي فشلت في ضبط الأسواق ومراقبة جشع التجار، تواصل إلقاء العبء على الطبقة الفقيرة والمتوسطة، بدلًا من معالجة فساد منظومة الطاقة أو ترشيد إنفاق المشروعات الضخمة التي لا مردود اقتصادي لها.
 

بيع الأصول الوطنية.. تفريط ممنهج
أما الشرط الثاني، وهو تسريع بيع أصول الدولة، فيكشف إلى أي مدى أوصلت الحكومة الاقتصاد إلى حافة الهاوية. فبدلاً من الاستثمار في هذه الأصول وتطويرها، يجري طرحها للبيع لسد عجز مؤقت في العملات الأجنبية.

إنها سياسة "بيع البيت لتسديد الإيجار"، حيث يتم التفريط في ممتلكات الشعب لصالح مستثمرين أجانب أو جهات نافذة، بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية. وبهذا تفقد مصر تدريجيًا سيادتها الاقتصادية على أهم مواردها.
 

إصلاح مزعوم.. وفشل متكرر
الخطاب الرسمي لا يزال يكرر عبارات "الإصلاح" و"الجذب الاستثماري"، لكن الواقع أن هذه السياسات لم تحقق سوى مزيد من التدهور.
فما الذي جناه المواطن من القروض السابقة؟ تضخم خانق، تآكل في الدخول، انهيار للجنيه، وزيادة غير مسبوقة في معدلات الفقر.

الحكومة التي تزعم أنها تسعى لجذب استثمارات، هي نفسها التي تبيع الأصول المنتجة بأبخس الأثمان، وتترك الصناعة والزراعة في حالة احتضار.
 

ارتهان كامل لصندوق النقد
المؤلم أن الحكومة المصرية لم تعد تملك قرارها الاقتصادي، إذ تحولت إلى مجرد منفذ لإملاءات صندوق النقد، حتى لو كان المقابل حفنة دولارات لا تسد جزءًا من فوائد الدين الخارجي المتضخم.
وما كان يُفترض أن يكون برنامجًا للإصلاح، أصبح أداة لتكبيل مصر بالديون وفرض وصاية اقتصادية عليها.
 

حكومة بلا رؤية
الخلاصة أن ما يجري ليس "إصلاحًا اقتصاديًا" كما تدعي الحكومة، بل استمرار لنهج الفشل والارتهان.
فبدلاً من البحث عن حلول حقيقية تعزز الإنتاج وتوفر فرص عمل وتعيد التوازن للاقتصاد، تختار السلطة الطريق الأسهل: الضغط على المواطن، وبيع الأصول، وتنفيذ تعليمات الخارج.

هذه الحكومة أثبتت أنها عاجزة عن حماية مصالح شعبها، وأنها جزء من المشكلة لا الحل.
وإذا استمرت هذه السياسات، فإن القادم لن يكون سوى مزيد من الفقر والديون والاحتقان الشعبي.