تشهد سوق الحديد في مصر واحدة من أكثر الفترات صعوبة في تاريخها الحديث، بعد أن وصلت الأسعار المحلية إلى مستويات تفوق بكثير الأسعار العالمية، وفق ما أكدته الغرف التجارية المصرية في بيان حديث، محذرة من أن استمرار هذه الأوضاع سيؤدي إلى مزيد من الارتفاعات، بما ينعكس سلباً على قطاع البناء والتشييد، وعلى الاقتصاد المصري ككل.
ضريبة القيمة المضافة والعبء على المستهلك
أشارت الغرف التجارية إلى أن ضريبة القيمة المضافة البالغة 14% تعد من أبرز أسباب ارتفاع أسعار الحديد في السوق المحلي، حيث تُضاف مباشرة على التكلفة النهائية للمنتج، ما يرفع الأسعار على المستهلك النهائي.
ورغم أن هذه الضريبة مطبقة على سلع وخدمات متعددة، إلا أن تأثيرها في قطاع الحديد والصلب كان أكثر وضوحاً، نظراً لاعتماد السوق العقارية والإنشائية عليه بشكل مباشر.
ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه الضريبة، إلى جانب الرسوم الأخرى المفروضة على المنتجين، تجعل مصر من الدول الأعلى تكلفة في إنتاج وتسويق الحديد مقارنة بمثيلاتها في المنطقة.
أسعار الطاقة.. أزمة إضافية للمصانع
إلى جانب الضريبة، تلعب ارتفاع أسعار الطاقة دوراً محورياً في تفاقم الأزمة، إذ أن صناعة الحديد تُعد من أكثر الصناعات استهلاكاً للطاقة.
ومع القرارات الحكومية الأخيرة بزيادة أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي الموجه للمصانع، ارتفعت التكلفة التشغيلية بشكل كبير.
ويوضح مسؤولون في الغرف التجارية أن أسعار الغاز الطبيعي للمصانع في مصر تفوق الأسعار المقررة في عدد من الدول المنافسة، الأمر الذي يضعف القدرة التنافسية للحديد المصري، ويؤدي إلى تحميل المستهلك النهائي المزيد من الأعباء.
رسوم الإغراق.. حماية منتج محلي أم عبء إضافي؟
كذلك انتقدت الغرف التجارية رسوم الإغراق التي فرضتها الحكومة على واردات الحديد، بحجة حماية المنتج المحلي من المنافسة الخارجية.
إلا أن هذه الرسوم، التي تصل نسبتها إلى مستويات مرتفعة، انعكست على السوق المحلي بزيادة الأسعار، إذ تم إغلاق الباب أمام الحديد المستورد الأرخص ثمناً، ما سمح للشركات المحلية بالتحكم في السوق دون وجود بدائل منافسة.
ويشير محللون إلى أن هذه السياسة، وإن كانت تهدف لحماية الصناعة الوطنية، فإنها على المدى القصير تضر بالاقتصاد، لأنها ترفع التكلفة على مشاريع البنية التحتية والإسكان، وتضعف فرص الاستثمار في قطاع العقارات.
انعكاسات على قطاع العقارات
يمثل الحديد مكوناً رئيسياً في أي مشروع عقاري أو إنشائي، وبالتالي فإن ارتفاع أسعاره يؤدي مباشرة إلى زيادة تكلفة البناء.
وقد حذر مطورون عقاريون من أن استمرار هذه السياسة الحكومية، مع ارتفاع أسعار مواد البناء الأخرى مثل الأسمنت، سيدفع الأسعار النهائية للوحدات السكنية إلى مستويات غير مسبوقة، ما يفاقم أزمة السكن ويزيد من صعوبة حصول فئات واسعة من المصريين على وحدات بأسعار معقولة.
كما يهدد هذا الوضع خطط الحكومة المتعلقة بالمشروعات القومية والإسكان الاجتماعي، التي تعتمد بشكل أساسي على استقرار أسعار مواد البناء.
مقارنة بالأسعار العالمية
تشير بيانات السوق العالمية إلى أن أسعار الحديد الخام في البورصات الدولية أقل بكثير مما هو متداول في السوق المصري.
فبينما تباع الطن في الأسواق العالمية بمستويات تتراوح بين 500 و600 دولار، يصل السعر في مصر إلى ما يعادل 800 – 900 دولار للطن بعد إضافة الضرائب والرسوم والطاقة.
هذا الفارق الكبير يعكس حجم الأعباء الإضافية التي يواجهها المنتج والمستهلك المصري على حد سواء، ويفسر شكوى الغرف التجارية من أن الأسعار المحلية "غير منطقية" مقارنة بالتكلفة الفعلية عالمياً.
دعوات لمراجعة السياسات
على ضوء هذه التطورات، دعت الغرف التجارية الحكومة إلى مراجعة عاجلة للسياسات الحالية، خصوصاً فيما يتعلق بضريبة القيمة المضافة ورسوم الإغراق وأسعار الطاقة.
وشددت على أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى تباطؤ قطاع التشييد، وإلى انعكاسات سلبية على الاقتصاد الكلي، بما في ذلك فرص العمل والنمو.
كما طالبت بفتح الباب أمام الاستيراد وفق ضوابط محددة، بما يضمن وجود منافسة حقيقية تكبح الأسعار وتمنع الاحتكار.
وفي النهاية فإن أزمة أسعار الحديد في مصر تكشف عن معضلة اقتصادية حقيقية تتداخل فيها القرارات الحكومية مع متغيرات السوق. وبينما تسعى الدولة لحماية الصناعة الوطنية وزيادة الإيرادات الضريبية، فإن هذه السياسات انعكست على المواطن والمستثمر في شكل ارتفاعات متتالية، تهدد قطاع العقارات، وتضعف القدرة الشرائية، وتزيد من أعباء الاقتصاد.
ومع غياب حلول عملية توازن بين حماية الصناعة وضبط الأسعار، يبدو أن السوق المصرية ستظل تعاني من فجوة كبيرة بين الأسعار المحلية والعالمية، إلى أن يتم تعديل النهج الحالي بما يحقق العدالة بين جميع الأطراف.