أثار قرار وزير الاستثمار والتجارة الخارجية حسن الخطيب، بفرض رسوم وقائية مؤقتة على واردات الصلب المدرفلة على الساخن والبليت، موجة من الغضب الشعبي بعد أن قفزت أسعار الحديد في السوق المحلي مباشرة عقب إعلانه.
ففي خطوة وُصفت بأنها "حماية للصناعة المحلية"، رفعت شركات الحديد أسعارها بشكل مباغت، لتضيف عبئًا جديدًا على المواطن المصري الذي يواجه أصلًا أزمات معيشية خانقة.

فور صدور القرار الذي نصّ على فرض رسوم بنسبة 13.6% على واردات الصلب المدرفلة، بما لا يقل عن 3673 جنيهًا للطن، ورسوم بنسبة 16.2% على واردات البليت، بما لا يقل عن 4613 جنيهًا للطن، أعلنت شركتا المراكبي والجارحي رفع أسعار الطن إلى 37.5 ألف جنيه مقابل 35.5 ألف جنيه قبل القرار.
أي أن المواطن وجد نفسه أمام زيادة فورية بقيمة 2000 جنيه في الطن الواحد، ما يترجم مباشرة إلى ارتفاع أسعار الشقق والمشروعات العقارية وكل الصناعات المرتبطة بالحديد.
 

حماية الصناعة أم إغراق المواطن؟
الحكومة برّرت قرارها بأنه يأتي في إطار "حماية الصناعة الوطنية" من الممارسات الضارة بالتجارة الدولية، مستندة إلى القانون رقم 161 لسنة 1998.
لكنها تجاهلت أن أي قرار يزيد الرسوم الجمركية في ظل اقتصاد مأزوم وارتفاع أسعار الطاقة والنقل، ينعكس فورًا على المواطن الذي لم يعد قادرًا على تحمّل المزيد من الضغوط.

فبدلًا من أن تدعم المصانع المحلية عبر سياسات رشيدة أو تقديم حوافز لخفض التكلفة، اختارت الحكومة الحل الأسهل: تحميل المستهلك الكلفة كاملة.
وهو ما دفع خبراء اقتصاد إلى القول إن القرار يعكس فشلًا إداريًا في دراسة السوق وتقدير انعكاساته على أسعار الحديد والسلع المرتبطة به.
 

أرقام تكشف حجم الأزمة
تقرير الحكومة نفسه، المرسل إلى منظمة التجارة العالمية، أظهر أن واردات البليت ارتفعت بنسبة 1976% بين عامي 2021 و2024.
هذه القفزة، بحسب المسؤولين، كانت السبب المباشر وراء التدابير الجديدة.
لكن هذه الأرقام تكشف أيضًا غياب رؤية استباقية من الدولة لمعالجة الزيادة قبل أن تتحول إلى أزمة خانقة.

الأدهى أن الشركات الخاصة استغلت القرار الحكومي كذريعة، فرفعت أسعارها فورًا دون أي قيود رقابية، لتضاعف أرباحها على حساب المواطن البسيط.
ما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة متواطئة ضمنيًا مع هذه الشركات، أو أنها عاجزة عن كبح جشعها.
 

انعكاسات اجتماعية واقتصادية
ارتفاع أسعار الحديد إلى 37.5 ألف جنيه للطن لن يتوقف أثره عند حدود المقاولين والمستثمرين العقاريين، بل سيتدحرج إلى المواطن العادي الذي يسعى لبناء منزل صغير أو شراء شقة.
فالزيادة الجديدة ستنعكس على أسعار العقارات التي تشهد أصلًا ارتفاعًا جنونيًا، لتضاعف من أزمة السكن وتقصي شرائح واسعة من المصريين عن حق امتلاك بيت.

كما أن رفع أسعار الحديد يعني ارتفاع تكاليف المشروعات الحكومية نفسها، من طرق وجسور ومبانٍ، ما يفتح الباب أمام زيادة الديون أو تقليص الاستثمارات، وهو ما يتعارض مع الشعارات التي يرفعها النظام عن دعم الاقتصاد الوطني.
 

فشل متكرر
لم تكن هذه المرة الأولى التي تتخذ فيها حكومة السيسي قرارات بحجة "حماية الصناعة" وتنتهي إلى إفقار المواطن.
فالتجارب السابقة في فرض الرسوم أو تحرير سعر الصرف أو رفع الدعم، كلها جاءت بوعود لنهضة اقتصادية، لكن المحصلة كانت موجات غلاء غير مسبوقة وانهيار القدرة الشرائية.

اليوم، ومع وصول أسعار الحديد إلى مستويات قياسية، يرى كثيرون أن الحكومة اختارت الطريق الأسهل والأكثر ضررًا: تحميل المواطن ثمن فشلها في إدارة ملف الصناعة والتجارة، وترك السوق لاحتكار كبار المستثمرين.

القرار الأخير يكشف مجددًا غياب أي سياسة متوازنة لحماية المستهلك والصناعة معًا. فبدلًا من معالجة الخلل في الإنتاج المحلي أو تقديم دعم حقيقي للمصانع الوطنية، جاء الحل في صورة رسوم جديدة انعكست فورًا على الأسعار.
والنتيجة أن الحديد، الذي يعد أساسًا لأي نشاط عمراني أو صناعي، أصبح عبئًا جديدًا يضاف إلى قائمة طويلة من الأزمات التي يعانيها المصريون تحت حكم السيسي.