في تحليل لافت، يرسم الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام، صورة قاتمة لمستقبل مصر، حيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية والمالية مع تحديات سياسية وأمنية غير مسبوقة. وبينما يواجه المصريون ضغوطًا معيشية خانقة وبيع أصول الدولة وتوغل الاحتكارات، يطل خطر سد النهضة كتهديد وجودي للأمن المائي، في ظل صمت رسمي وإعلامي يعمّق الشعور بالخذلان الشعبي.

يشير عبد السلام، رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد"، إلى أن مصر تمر بمرحلة استثنائية وصفها بـ"الأيام الثقال"، حيث يعيش أغلب المواطنين تحت ضغط اقتصادي ومعيشي خانق، يكاد يجعلهم يتنفسون من "خرم إبرة". فالأزمات تتوالى: ديون خارجية قياسية، بيع متسارع لأصول الدولة، احتكارات تسيطر على السوق، وغياب إصلاحات جادة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.

ويؤكد أن هذا الوضع يزداد قتامة في ظل غياب أي انفراجة سياسية بعد أكثر من عقد من القيود على الحريات ومصادرة الحياة العامة، بينما يصر الإعلام الرسمي على صرف انتباه الرأي العام عن القضايا الجوهرية، منشغلًا بما وصفه بـ"أحاديث اللهو والشائعات" وتغطية حياة الأثرياء الجدد في الساحل الشمالي والعلمين، بعيدًا عن هموم الناس الحقيقية.

من زاوية الأمن القومي، يلفت الخبير الاقتصادي إلى تهديدات إسرائيل المتكررة لمصر، وسيطرتها على محور صلاح الدين الحدودي مع غزة، فضلًا عن رهن قطاعي الطاقة والصناعة المصريين باتفاقات طويلة الأمد مع إسرائيل بقيمة 35 مليار دولار، وصفها بأنها "الأضخم في تاريخ دولة الاحتلال"، بما يضع الاقتصاد المصري في حالة تبعية خطيرة.

لكن الخطر الأكبر، بحسب عبد السلام، يكمن في سد النهضة الإثيوبي الذي تم تدشينه بتكلفة تجاوزت خمسة مليارات دولار. السد أصبح أمرًا واقعًا يهدد الأمن المائي لمصر التي تعتمد على نهر النيل لتأمين 97% من احتياجاتها من المياه العذبة. ويشير الكاتب إلى أن مصر تعاني أصلًا من عجز مائي يبلغ نحو 57 مليار متر مكعب سنويًا، وأن السد سيضاعف من عمق الأزمة، خاصة في فترات الجفاف.

ويطرح عبد السلام أسئلة صادمة:

  • لماذا تنازلت السلطات المصرية عن حصتها التاريخية في مياه النيل؟
  • كيف ستواجه الحكومة خطر تعطيش المصريين إذا قررت إثيوبيا قطع المياه نكاية أو بتحريض من حلفائها الإقليميين؟
  • ولماذا يُراد لمصر أن تتحول من دولة المنبع السياسي إلى زبون مضطر يشتري الكهرباء من السد، في حين يُستخدم عائدها لسداد قروض إثيوبيا؟

وفي ختام تحليله، يرى عبد السلام أن مصر حصلت على "صفر كبير" في معركة سد النهضة، يفوق "صفر المونديال" عام 2010، معتبرًا أن الحديث عن مفاوضات جديدة مع أديس أبابا ليس سوى مضيعة للوقت وتخدير للرأي العام. ويخلص إلى أن مصر أمام خطر وجودي، وأن الاعتراف بالكارثة قد يكون الخطوة الأولى نحو محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

إن أخطر ما في سد النهضة أنه يُستخدم كسلاح سياسي ضد مصر، لا كمصدر طاقة لإثيوبيا. إن التحكم في شريان الحياة للمصريين معناه التحكم في مصيرهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وإذا لم تتحرك الدولة بجدية وحزم، فإن كل موسم جفاف سيعني موت آلاف الأفدنة من الأراضي، وضياع الأمن الغذائي، وانكشاف المصريين أمام ابتزاز خارجي لا يرحم.

ويرى العديد من الخبراء أن سد النهضة ليس مشروعًا مائيًا بقدر ما هو قنبلة وجودية موقوتة تهدد حياة المصريين؛ فحين يتراجع النيل، ستذبل الأراضي الزراعية، ويتحوّل واديه الخصيب إلى صحراء جرداء، ويُدفع ملايين الفلاحين إلى الهجرة القسرية والفقر المدقع. إن تجاهل هذه الحقيقة هو مقامرة بمستقبل وطن بأكمله، حيث العطش القادم قد يكون أخطر من أي عدو يطرق الأبواب.