في 9 سبتمبر 2025، افتتحت إثيوبيا رسميًا مشروع سد النهضة، حيث أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن السد “لا يشكل تهديدًا لأحد، وأن أديس أبابا تستخدم موارد النهر العابر للحدود بشكل محدود فقط”. ورغم سنوات من التحذيرات المصرية الرسمية والضجيج الإعلامي عن “الخطر الوجودي” الذي يمثله السد على حصة مصر المائية، لم تسجل حتى الآن أي مؤشرات حقيقية على تضرر القاهرة من عمليات الملء. الكاتب الصحفي جمال سلطان ذهب أبعد من ذلك، معتبرًا أن الأزمة ليست في السد بل في سياسات السلطة المصرية التي تعمدت توظيف ورقة النيل للتغطية على مشروعاتها الخاصة.
افتتاح رسمي ينهي الجدل الإثيوبي
تتويج إثيوبيا مشروع سد النهضة بافتتاح رسمي في 9 سبتمبر يعد إعلانًا عن دخول مرحلة جديدة من “الاستفادة الوطنية” من نهر النيل. ورغم اعتراضات القاهرة المستمرة، أكد آبي أحمد أن بلاده “لم ولن تستعمل السد كسلاح ضد أي دولة مجاورة”. ويرى مراقبون أن هذه التصريحات ليست مجرد طمأنة دبلوماسية، بل تستند إلى واقع أن سنوات الملء الماضية لم تؤدِّ إلى تراجع منسوب بحيرة ناصر أو انخفاض حصة مصر كما كانت تتوقع الحكومة المصرية.
ضجيج رسمي بلا أدلة
جمال سلطان يرى أن الضجة المفتعلة من الرئاسة والخارجية المصرية كانت غطاءً سياسيًا وإعلاميًا أكثر من كونها معركة مائية حقيقية. إذ يشير إلى أن “التقارير الدولية المستقلة أكدت أن مصر لم تتأثر نهائيًا طوال سنوات الملء حتى هذا العام، وأن بحيرة ناصر ما زالت مستقرة بمعدلاتها المعتادة”. لكن في المقابل، استخدمت السلطة ملف السد لتبرير التراجع الكبير في الرقعة الزراعية بالوادي والدلتا، حيث تم حرمان ملايين الأفدنة من مياه الري.
إثيوبيا تفتتح اليوم ـ 9 سبتمبر ـ رسميا سد النهضة، وأبي أحمد يقول: السد لا يشكل تهديداً لأحد، نحن نستخدم موارد النهر العابر للحدود بشكل محدود فقط .
— جمال سلطان (@GamalSultan1) September 9, 2025
شخصيا أنا أصدق رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد، ولا أصدق الضجيج المفتعل والمستمر من الرئاسة المصرية والخارجية عن مخاطر السد على حصة… pic.twitter.com/3b2vQa8bkO
الفلاحون الخاسر الأكبر
تؤكد شهادات ميدانية لخبراء ومزارعين أن آلاف الفلاحين في الوادي القديم والدلتا واجهوا جفافًا حادًا وندرة مياه دفعتهم إلى هجر أراضيهم أو خفض إنتاجيتهم. وفي حين صوّرت الحكومة ذلك كنتيجة مباشرة لسد النهضة، يذهب محللون إلى أن السبب الحقيقي هو إعادة توجيه مياه النيل لمشروعات زراعية ضخمة في الصحراء. هذه المشروعات، التي تُدار بالشراكة مع مؤسسات سيادية ودول خليجية، تستهدف التصدير الخارجي لتحقيق مليارات الدولارات، بينما يترك الفلاحون الصغار يواجهون مصيرهم في فقر مائي خانق.
رفاهية النخبة على حساب الشعب
يقول سلطان إن الخرافة الكبرى التي روجتها السلطة هي “خطر السد”، بينما الحقيقة أن المياه المصرية يتم استنزافها في منتجعات ترفيهية جديدة ومشروعات زراعية باذخة الاستهلاك، مخصصة للنخبة الاقتصادية والسياسية. هذه الصورة تكشف أن أزمة المياه في مصر اليوم ليست نتيجة أزمة خارجية، بل بسبب إعادة هيكلة توزيع المياه داخليًا لخدمة طبقة محدودة. وبهذا المعنى، يصبح السد الإثيوبي مجرد “شماعة” لتعليق الفشل الرسمي، في حين يتفاقم الظلم الاجتماعي بحق ملايين الفلاحين الذين خُدعوا بخطاب الخطر الوجودي.
افتتاح سد النهضة رسميًا في 9 سبتمبر يضع القاهرة أمام مرآة الحقيقة: سنوات التحذيرات والتهويل لم تتطابق مع الواقع، حيث لم تتأثر مصر فعليًا بحصتها المائية.
لكن الأزمة الحقيقية ظهرت في الداخل، مع سياسات حرمان الفلاحين من مياه الري وتحويلها إلى مشروعات خاصة تدر أرباحًا للنخبة.
وبينما يصدق البعض تصريحات آبي أحمد المطمئنة، يبدو أن أكبر تهديد لمستقبل مصر المائي ليس سد النهضة، بل سوء الإدارة والتوظيف السياسي لموارد النيل داخل حدودها.