يشهد سوق العقارات المصري حالة ركود حادة في عمليات البيع والشراء، رغم خفض مستويات الفائدة مؤخراً، التي كان من المفترض أن تنشط السوق وتجذب المستثمرين. القطاع العقاري، الذي يعتبر أحد أهم محركات النمو الاقتصادي في مصر، أصبح الآن شبه متوقف، إذ أوقفت شركات كبرى عمليات البيع لحين دراسة آليات جديدة لتنشيط السوق ورفع الطلب. هذا الركود يطرح علامات استفهام حول مدى استجابة الحكومة والسياسات المالية للقطاع الاستثماري، ويكشف هشاشة السوق أمام أي تغييرات اقتصادية مفاجئة.


الركود والتحديات أمام المطورين

كشف نجيب ساويرس، رجل الأعمال البارز، عن أن السوق يشهد ما أسماه بـ"الفقاعة الزهراء"، مشيرًا إلى أن العديد من شركات التطوير العقاري اضطرت لخفض حجم مبيعاتها خوفًا من ارتفاع تكلفة التمويل وتأثيره على ملاءتها المالية. وأضاف ساويرس أن استمرار ارتفاع الفائدة يجعل من الصعب على الشركات الوفاء بالتزاماتها تجاه العملاء أو الالتزام بخطط التوسع، وهو ما يضع القطاع في موقف حرج ويزيد المخاطر الاقتصادية على المستثمرين.

 

مرحلة التصحيح أم إدارة هشّة؟

على الجانب الرسمي، رفض المهندس محمد البستاني، رئيس جمعية المطورين العقاريين، مصطلح "فقاعة عقارية"، واعتبر ما يحدث مجرد مرحلة تصحيح بعد مبيعات ضخمة في الأعوام الماضية. وقدّم البستاني قراءة تفاؤلية للقطاع، مؤكداً أن السوق يُدار من خلال رأس المال والقدرة المالية للعملاء، وليس من خلال التمويل البنكي. ومع ذلك، فإن هذه التصريحات تتجاهل حقيقة أن الشركات تواجه ضغوطًا مالية غير مسبوقة بسبب ارتفاع مدخلات الإنتاج مثل الحديد والأسمنت، مما يضع علامات استفهام حول مصداقية وصف الركود بأنه "تصحيح طبيعي".

 

أثر خفض الفائدة على السوق العقاري

أكد المهندس داكر عبد اللاه، عضو شعبة الاستثمار العقاري باتحاد الغرف التجارية، أن خفض أسعار الفائدة بنسبة 2% مؤخراً سيؤدي إلى تنشيط السوق تدريجياً، مع توقعات بمزيد من التخفيضات خلال اجتماعات لجنة السياسة النقدية المقبلة. وأوضح أن هذا التراجع في أسعار الفائدة سيتيح للمطورين منح عملائهم مرونة أكبر في سداد الأقساط، ويحفز المواطنين على شراء العقارات كوسيلة استثمارية طويلة الأجل، خصوصًا بعد تراجع العائد على الودائع البنكية. إلا أن هذه التوقعات، رغم إيجابيتها، لا تحل جذريًا مشكلة ارتفاع مدخلات الإنتاج التي تثقل كاهل المطورين وتنعكس على أسعار الوحدات السكنية.

 

ارتفاع التكاليف يهدد الانتعاش المتوقع

على الرغم من التحسن المتوقع بفعل خفض الفائدة، فإن أسعار مدخلات البناء لا تزال مرتفعة بشكل كبير، خاصة الأسمنت الذي بلغ سعر الطن أكثر من 4000 جنيه نتيجة توقف بعض خطوط الإنتاج والتوسع في التصدير على حساب السوق المحلي. هذه الزيادة في التكاليف تحد من قدرة المطورين على خفض أسعار الوحدات أو زيادة المرونة في خطط السداد، ما يضعف أثر أي سياسات مالية إيجابية على أرض الواقع، ويجعل الانتعاش المتوقع للسوق هشًا وغير مستدام إذا لم تتدخل الحكومة لتعديل تكلفة مدخلات الإنتاج بشكل حقيقي.

وفي النهاية فإن سوق العقارات في مصر يقع تحت ضغوط كبيرة، إذ يجمع بين ركود حاد، وارتفاع تكاليف البناء، وسياسات تمويلية تتغير بسرعة.

خفض الفائدة خطوة مرحب بها، لكنه لا يكفي وحده لإنعاش السوق، خصوصًا مع استمرار ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج.

الحل الحقيقي يتطلب سياسات متكاملة من الحكومة لدعم المستثمرين وتقليل العبء على المطورين، إلى جانب إجراءات لضمان استقرار الأسعار وحماية قدرة المواطنين على شراء وحداتهم. دون ذلك، ستظل حالة الركود قائمة، وسيبقى السوق في حالة ترقب دائم لأي سياسات مالية أو اقتصادية جديدة قد تزيد من عدم اليقين.