تزامنا مع تدشين إثيوبيا حفل افتتاح سد النهضة، أكد وزير الموارد المائية والري هاني سويلم أن مصر اضطرت إلى إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي بسبب الانخفاض الحاد في نصيب الفرد من المياه.
وجاءت تصريحاته خلال احتفالية الحوار الاستراتيجي رفيع المستوى للإعداد لأسبوع القاهرة الثامن للمياه، التي نُظمت بالتعاون بين وزارة الري والاتحاد الأوروبي، حيث سلط الضوء على التحديات التي تواجه مصر في ظل ندرة المياه وازدياد الضغوط المرتبطة بالمناخ والسد الإثيوبي.
https://www.facebook.com/watch/?v=1995444894550653
أزمة ندرة المياه وسياسات التكيف
قال الوزير إن مصر تُعد من أكثر دول العالم معاناة من الفقر المائي، حيث لا يتجاوز نصيب الفرد 560 مترًا مكعبًا سنويًا، وهو أقل كثيرًا من خط الفقر المائي العالمي المحدد بألف متر مكعب.
وأوضح أن هذا العجز الكبير دفع الوزارة إلى تنفيذ عملية تطوير شاملة للمنظومة المائية عبر "الجيل الثاني من منظومة الري"، والذي يعتمد على البحث العلمي، تقنيات الري الذكي، الرصد بالأقمار الصناعية، والتوسع في معالجة مياه الصرف الزراعي وإعادة استخدامها كأحد الحلول لمواجهة الأزمة.
وأشار إلى أن أسبوع القاهرة الثامن للمياه، المزمع عقده في أكتوبر 2025، سيقام تحت شعار "حلول مبتكرة من أجل الصمود المناخي واستدامة المياه".
وسيركز الحدث على الترابط بين تغير المناخ والمياه، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، اضطراب معدلات الأمطار، فترات الجفاف الطويلة، والفيضانات المدمرة.
افتتاح سد النهضة وتداعياته
بالتزامن مع هذه الجهود، تستعد إثيوبيا لافتتاح سد النهضة رغم غياب اتفاق مع دولتي المصب مصر والسودان بشأن قواعد تشغيله. وزير الري الأسبق محمد نصر علام أكد أن السد سيُحدث أضرارًا كبيرة بالأمن المائي المصري، متهمًا أديس أبابا باستخدامه كورقة ضغط سياسي للتفريق بين القاهرة والخرطوم. وانتقد موقف مصر من توقيع السودان اتفاقًا منفردًا مع إثيوبيا عام 2022، معتبرًا أن غياب رد فعل مصري حاسم أضعف موقفها القانوني والدبلوماسي.
وأضاف علام أن إثيوبيا فشلت في تحقيق الهدف المعلن من السد والمتمثل في توليد وتصدير الكهرباء، مشيرًا إلى أن الضوضاء الإعلامية المصاحبة للافتتاح تخفي عجزًا داخليًا عن الوفاء بوعودها لشعبها. كما شدد على أن السد يهدف إلى تقويض دور السد العالي كمخزون استراتيجي لمصر، وهو مخطط قديم صاغه مكتب الاستصلاح الأمريكي منذ ستينيات القرن الماضي.
التقديرات الفنية وحسن إدارة الموارد
من جانبه، أوضح الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن مصر تمكنت من استيعاب سنوات التخزين السابقة بفضل الإدارة الجيدة لمواردها. وأشار إلى أن عملية الملء وصلت إلى 64 مليار متر مكعب، وأن إجمالي ما فقدته مصر خلال سنوات الملء قد يصل إلى 100 مليار متر مكعب من مياه النيل.
ورغم ذلك، أكد شراقي أن مصر استطاعت تجاوز أصعب مراحل الأزمة عبر حسن استغلال السد العالي، مشيرًا إلى أن المياه بدأت تتدفق إليه مجددًا. كما لفت إلى أن أربعة توربينات تم تركيبها بجسم السد الإثيوبي لم تعمل بكامل طاقتها حتى الآن، ما يعكس محدودية استفادة إثيوبيا من المشروع مقارنة بضخامة الاستثمارات التي رُصدت له.
تنسيق مصري سوداني وتحذيرات مشتركة
على الصعيد الإقليمي، عقدت القاهرة والخرطوم اجتماعًا تشاوريًا في إطار آلية 2+2، ضم وزراء الخارجية والري من البلدين. البيان المشترك شدد على ضرورة الحفاظ على الأمن المائي لمصر والسودان وفقًا للنظام القانوني لنهر النيل واتفاقية 1959، مؤكدًا على تطابق المواقف في المحافل الإقليمية والدولية.
واتفق الطرفان على أن السد الإثيوبي يشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرار حوض النيل الشرقي، خاصة بسبب الخطوات الأحادية لملئه وتشغيله، والمخاطر المرتبطة بأمانه والتصريفات غير المنضبطة خلال فترات الجفاف. كما دعا الجانبان أديس أبابا إلى تعديل سياستها من أجل استعادة التعاون بين دول الحوض، مؤكدين أن قضية السد تظل شأنًا يخص الدول الثلاث فقط، مع رفض محاولات إدخال دول أخرى في النزاع.
خلاصة
يتقاطع مسار السياسة المائية المصرية مع تحديات داخلية وخارجية كبرى: من جهة، تعمل القاهرة على إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي وتطوير المنظومة المائية لمواجهة الفقر المائي؛ ومن جهة أخرى، تواجه ضغوط سد النهضة الذي يهدد أمنها المائي والإقليمي.
وبينما تحذر الأصوات الرسمية والخبراء من أضرار السد ومخاطر سنوات الجفاف المقبلة، تسعى مصر للحفاظ على استقرارها عبر التنسيق مع السودان والإدارة الرشيدة لمواردها المحدودة، في معركة وجودية عنوانها الماء.