يشهد الشارع المصري حالة من القلق العميق بعد إقرار البرلمان في يوليو الماضي تعديلات جذرية على قانون الإيجار القديم، الذي ظلّ لعقود يمثل مظلة حماية لملايين الأسر محدودة ومتوسطة الدخل.

هذه التعديلات، التي جاءت استجابة لحكم قضائي يقضي بعدم دستورية القانون القديم، أنهت الإيجار الشهري الثابت، وأسقطت بند بقاء المستأجرين وورثتهم في الوحدات السكنية إلى أجل غير مسمى، فاتحة الباب أمام مرحلة جديدة من "تحرير العلاقة الإيجارية"، بكل ما تحمله من فرص ومخاطر.
 

ذكريات نصف قرن مهددة بالزوال
خضرة إبراهيم علي (84 عاماً)، التي عاشت في شقتها بحي الأزبكية منذ عام 1973، تمثل نموذجاً صارخاً للمخاوف الشعبية. إذ تدفع إيجاراً شهرياً لا يتجاوز 11 جنيهاً، لكنها تواجه اليوم شبح الإخلاء بعد سبع سنوات، بموجب القانون الجديد.
تقول بحزن: "أنا خايفة أطرد من البيت اللي عشت فيه نص قرن. بعد العشرة دي كلها أمشي كده؟ يمكن أموت من الحزن".

القانون الجديد يطبق على العقود الموقعة قبل 31 يناير 1996، ما يعني أنّ شريحة واسعة من الأسر المصرية التي كانت تعيش بأمان نسبي أصبحت مهددة بفقدان مساكنها.
 

الملاك بين الإنصاف والانتظار الطويل
من جهة أخرى، يرى الملاك أن التعديلات طال انتظارها. طارق محمد (61 عاماً)، أحد ملاك العقارات بالقاهرة، لا يتقاضى سوى 12 جنيهاً شهرياً نظير شقتين، وجنيهين فقط عن محل تجاري.
ويقول: "المستأجر بقى عجوز وفقير، لكن أنا كمالك برضه عندي التزامات. مش منطق أقبض جنيهات قليلة من شقق في قلب القاهرة"، مؤكداً أن كثيراً من الملاك أنفسهم من الأرامل وأصحاب المعاشات.
 

وعود رسمية بشبكات أمان
أمام هذه المخاوف، تعهّدت الحكومة بتوفير بدائل. فقد أعلن مجلس الوزراء في أغسطس عن خطط لتخصيص وحدات سكنية للمستأجرين القدامى، سواء عبر الإيجار أو التمليك.
وأكد وزير الشؤون النيابية والقانونية محمود فوزي أن الدولة "ملتزمة بشكل كامل" بألا تبقى أي عائلة بلا مأوى، قبل دخول القانون حيز التنفيذ.

لكن الباحثة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مي قابيل، انتقدت الاستعجال في تمرير القانون، متسائلة: "لماذا لم تُعلن البيانات التي بُني عليها القرار؟ مثل عدد الأسر التي تمتلك أكثر من شقة، أو نسبة من هم في حاجة فعلية للدعم؟"
 

زيادات صادمة في الإيجارات
بموجب القانون الجديد، ستقفز الإيجارات 20 ضعفاً في المناطق الراقية، و10 أضعاف في المتوسطة والاقتصادية.
وقد حددت الدولة حداً أدنى يبدأ من 250 جنيهاً في الأحياء الفقيرة، وصولاً إلى ألف جنيه في المناطق المتميزة.
على أن ترتفع الإيجارات سنوياً بنسبة 15% خلال الفترة الانتقالية.

هذه القفزات اعتبرها كثيرون عبئاً لا يُحتمل، خصوصاً مع استمرار التضخم، وتراجع دخول شريحة واسعة من العاملين في القطاع الخاص الذين لا يتجاوز دخلهم الحد الأدنى الرسمي للأجور (7000 جنيه).
وتشير دراسات إلى أن الإسكان يلتهم ربع إنفاق الأسر المصرية بالفعل.
 

مخاطر تهدد النسيج العمراني
الباحث والمصمم العمراني أحمد زعزع حذر من أن التغييرات قد تدفع إلى هدم مبانٍ تاريخية وإقامة أخرى حديثة بلا ضوابط، ما يهدد الطابع الشعبي والتاريخي للمناطق القديمة.

وأضاف: "التحرير المفاجئ قد يربك السوق ويدفع إلى انفجار عمراني غير منظم، يغيّر وجه القاهرة التاريخي"، مشيراً إلى أن انتقال السكان لمناطق على أطراف العاصمة قد يضاعف أعباء المعيشة بسبب البعد عن أماكن العمل والخدمات.
 

تهديد مزدوج: السكن والرزق
الأزمة لا تتوقف عند المساكن.

فمحمد حسن (35 عاماً)، صاحب متجر في منطقة الخصوص بمحافظة القليوبية، يواجه فقدان منزله خلال سبع سنوات، ومحله التجاري خلال خمس.
يقول بأسى: "أنا حياتي تدمّرت. من بيتي ومحلي في نفس الوقت. فين أروح؟"