لم تنجح أجواء الاحتفاء الديني والاجتماعي بمناسبة المولد النبوي الشريف هذا العام في التخفيف من وقع الأزمة الاقتصادية الطاحنة، إذ بقيت كميات كبيرة من حلوى المولد على أرفف المحلات دون تصريف، في مشهد يعكس استمرار الركود وارتفاع الأسعار للعام الثالث على التوالي.

ورغم الحرص الشعبي على إحياء المناسبة المرتبطة بالذاكرة الجمعية للمصريين، فإن الحركة التجارية في الأسواق بدت محدودة، لا سيما مع الارتفاع اللافت لأسعار المكسرات، التي تعد المكون الأبرز في بعض أصناف الحلوى.
 

أسعار مرهقة وعروض حكومية محدودة
شهدت الأسواق تنوعًا في العروض، حيث طرحت الحكومة علبًا صغيرة بأسعار تتراوح بين 300 و500 جنيه لتناسب الأسر محدودة الدخل، بينما وصلت أسعار العلب المتوسطة الموجهة للفئات الوسطى إلى 1500 جنيه. أما العبوات الفاخرة المزودة بالمكسرات فقد تجاوزت 4500 جنيه، بعد أن ارتفعت أسعار الفستق واللوز والكاجو والبندق إلى 850 جنيهًا للكيلو الواحد.

ورغم ذلك، لجأ أغلب المستهلكين إلى شراء قطع فردية بأسعار تبدأ من 5 جنيهات وحتى 80 جنيهًا، في محاولة للحفاظ على الحد الأدنى من العادة الاجتماعية المرتبطة بالمناسبة.
 

تراجع في أسواق الحلوى وصعود للسلع الأخرى
جولة في سوق باب البحر بوسط القاهرة، أحد أقدم أسواق صناعة الحلوى، أظهرت تراجعًا في عدد معارض الحلوى مقابل زيادة لافتة في منافذ بيع السلع التموينية واللحوم والدخان المهرب. هذا التغير في المشهد يعكس التحولات التي فرضتها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والتي دفعت كثيرًا من العارضين إلى تقليص أنشطتهم أو استبدالها بمنتجات أكثر رواجًا.
 

الغلاء لا يلغي الطقوس
رغم الغلاء، حرصت بعض الأسر على شراء عروس المولد والحصان الحلاوة كرموز تقليدية للاحتفال، وإن استُبدلت غالبًا بنسخ بلاستيكية أقل تكلفة. تقول نجوى الشربيني، معلمة من القاهرة: "الأسعار نار، لكن لا يمكن أن يمر المولد دون أن أشتري عروسًا وحصانًا لأحفادي. إنها عادة موروثة أكثر من كونها رفاهية".
 

أعباء الصناعة ومخاوف الخسائر
من جهتهم، اشتكى المنتجون والتجار من ارتفاع تكاليف التصنيع بسبب زيادة أسعار السكر والسمن والدقيق والطاقة، إضافة إلى الضرائب والرسوم المحلية. ويؤكد محمد عيد، مدير مصنع عريق في طنطا، أن بعض المصانع لجأت إلى تقليل استخدام المكسرات أو استبدالها بالفول السوداني والحمص لتقليل التكلفة، محذرًا من انتشار منتجات رديئة أو مغشوشة تعرض في سرادقات حكومية.

ويضيف عيد أن كثيرًا من التجار اضطروا إلى خفض هامش ربحهم لتصريف الإنتاج، لكن تباطؤ المبيعات يهددهم بخسائر كبيرة، خصوصًا أن حلوى المولد من السلع الموسمية سريعة التلف.
 

أزمات الاقتصاد في الخلفية
الأزمة لم تقتصر على سوق الحلوى وحدها؛ فبحسب مؤشر ستاندرد آند بورز الأخير، سجل القطاع الصناعي غير النفطي في مصر انكماشًا للشهر السادس على التوالي، مع تراجع الطلب الاستهلاكي واستمرار المخاوف من التضخم وضعف الجنيه.

ويشير الخبير الاقتصادي رشاد عبده إلى أن المناسبات الوطنية والدينية عادة ما تساهم في تنشيط الأسواق، لكنه يؤكد أن ضعف القوة الشرائية لدى المواطنين يجعل تأثيرها محدودًا في ظل الأزمة الحالية.
 

مبادرات حكومية لم تحد من الأزمة
حاولت الحكومة دعم الأسواق عبر ضخ كميات كبيرة من الحلوى في منافذ التموين ومعارض تابعة للجيش والشرطة، بخصومات وصلت إلى 30%. إلا أن الإقبال ظل محدودًا، إذ يفضل المواطنون شراء كميات بسيطة أو الاكتفاء بقطع صغيرة لإرضاء الأطفال وإحياء رمزية المناسبة دون تحميل ميزانية الأسرة أعباء إضافية.