في حلقة من بودكاست "الحل إيه؟" الذي تقدمه منصة ذات مصر، أطلق الدكتور جودة عبد الخالق، وزير التموين الأسبق وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، تحذيرًا بالغ الأهمية، مؤكدًا أن ما يعيشه المصريون اليوم ليس مجرد أزمات عابرة، بل مخطط متكامل يستهدف إنهاك المواطن اقتصاديًا واجتماعيًا، حتى يصبح غير قادر على التفكير في الإصلاح أو التغيير.
وأوضح أن سياسات الحكومة، بإشراف مباشر من السيسي زعيم الانقلاب، صنعت دائرة مغلقة من الأزمات: تضخم متصاعد، أسعار وقود وطاقة خانقة، تعليم وصحة مرهقَين، ومشروعات إنشائية تبتلع الموارد دون مردود حقيقي.
https://www.youtube.com/watch?v=yTdOSySjLBU&t=21s


 

البقرة الحلوب ومخطط إنهاك المصريين
يرى الدكتور جودة عبد الخالق أن جوهر سياسات السلطة الحالية هو التعامل مع مصر باعتبارها "بقرة حلوب"، يجري استنزافها اقتصاديًا بلا هوادة.
فالمواطن يُنهك عمدًا في البحث عن لقمة العيش، ويتعرض لدوامة من التضخم وارتفاع الأسعار والضرائب والرسوم، حتى يفقد القدرة على التفكير في أي بديل سياسي أو اقتصادي.
ويؤكد عبد الخالق أن هذا الوضع ليس عشوائيًا كما يظن البعض، بل هو مخطط محكم يضمن استمرار تدفق "لبن البقرة" لمجموعة محدودة من المستفيدين، فيما تتحمل الأغلبية عبء الجوع والإفقار.
 

تغييب السياسة ونهب الثروات
يشرح الدكتور جودة عبد الخالق أن منع الحياة النيابية السليمة في مصر ليس بدافع السلطة وحدها، بل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالفساد والنهب المنظم للثروات العامة.
فالهدف من تغييب التعددية السياسية هو ضمان استمرار شبكة المصالح الاقتصادية التي تتحكم في المال والبيزنس، محليًا ودوليًا.

ويشير إلى أن التفريط في العملة الوطنية والاعتماد المفرط على الاستدانة لا يخدم سوى مصالح هذه الدوائر، إذ يُسدد الدين من دم ولحم الغلابة، بينما تتوسع قلة في استنزاف الموارد وإهدار المال العام، كما حدث في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، الذي وصفه عبد الخالق بأنه نموذج فج لإهدار أموال المصريين.
 

دولة تتحول إلى مطور عقاري
ينتقد الدكتور جودة عبد الخالق دخول الحكومة إلى سوق العقارات كمطور عقاري، معتبرًا أن ذلك خروج كامل عن دور الدولة في خدمة المواطنين.
فبدلًا من توفير السكن والخدمات بأسعار عادلة، تحولت الدولة إلى منافس شرس يطرح وحدات بملايين الجنيهات، لا يستطيع العامل الكادح أو الموظف العادي تحمّل تكلفتها.
ويرى أن هذه السياسة تصب في مصلحة طبقة ضيقة تبيض أموالها في هذه المشروعات السفيهة، بينما تزداد معاناة الأغلبية التي تُحرم من أبسط حقوقها في السكن والتعليم والصحة، ليظل الوضع قائمًا على نهب موارد البلد وتجويع الشعب.
 

المواطن في أسر الأزمات اليومية
يؤكد الدكتور جودة عبد الخالق أن المواطن المصري أُدخل عمدًا في متاهة من الأزمات اليومية، تبدأ من مائدة الطعام وتنتهي عند فواتير التعليم والصحة.
فكلما بدأ المواطن يتنفس قليلًا من عبء أزمة، يجد نفسه أمام موجة جديدة: تعويم الجنيه، رفع الدعم، غلاء السلع الأساسية. ويضيف أن هذا النهج المقصود يجعل الأسرة المصرية مرهقة باستمرار، فالمواطن الذي لا يستطيع شراء اللحوم أو دفع مصروفات المدرسة أو علاج ابنه، لن يجد وقتًا أو طاقة للمطالبة بحقوقه السياسية أو محاسبة السلطة على فسادها.
 

فشل التنمية وتحولها إلى أداة قمع
بحسب الدكتور جودة عبد الخالق، فإن الحكومة لم تعد تنظر إلى التنمية باعتبارها وسيلة لتحسين حياة الناس، بل حولتها إلى أداة للسيطرة والقمع غير المباشر.
فالمشروعات العملاقة مثل العاصمة الإدارية أو القطار الكهربائي، بدل أن تعود بالنفع على المواطن العادي، تحولت إلى قنوات لاستنزاف الموارد العامة، بينما المواطن لا يجد مستشفى حكوميًا مؤهلًا أو مدرسة حكومية قادرة على تعليم أبنائه.

ويرى عبد الخالق أن هذه المفارقة المقصودة تهدف لإقناع الناس بأن لا جدوى من الاعتراض، وأن البديل الوحيد هو الاستسلام للوضع الراهن.
 

الاستقرار الزائف عبر إنهاك المواطن
يشدد الدكتور جودة عبد الخالق على أن النظام الحالي يستبدل مفهوم "الاستقرار" الطبيعي القائم على العدالة والتنمية، بما يسميه "الاستقرار الزائف" المبني على إنهاك المواطن.
فالسلطة تدرك أن المواطن المتعب، الذي يعجز عن مواجهة تكاليف المعيشة، سيكون أقل ميلًا للاحتجاج أو المشاركة السياسية.

ويصف عبد الخالق هذا النموذج بأنه أخطر أشكال الحكم السلطوي، لأنه لا يعتمد فقط على القمع الأمني، بل على تحويل الاقتصاد نفسه إلى أداة تطويع وإخضاع، تجعل الفقر أشد قسوة من السجون.
 

الحاكم يستمر والشعب يتآكل
يرى الدكتور جودة عبد الخالق أن جوهر سياسة السيسي يتمثل في "استمراره شخصيًا ولو على أنقاض الشعب".
فالحكومة تصنع أزمات متتابعة تجعل المواطن في سباق مرهق مع الوقت والمال، بينما أجهزة الدولة تقدم وعودًا إصلاحية لا تتحقق.
وبهذا، يظل المواطن عالقًا في حلقة مفرغة: يبحث عن لقمة العيش، وينسى حقه في محاسبة الحاكم أو المطالبة بتغيير السياسات.

ويؤكد عبد الخالق أن هذه الاستراتيجية هي مخطط واضح لإبقاء المجتمع ضعيفًا ومشتتًا، بما يضمن بقاء النظام، مهما ارتفعت كلفة المعاناة الإنسانية.

يلخص الدكتور جودة عبد الخالق في حديثه أن مصر تعيش اليوم حالة من "الإرهاق المتعمد" للمواطنين، حيث يتحول الاقتصاد من وسيلة لتحسين حياة الناس إلى أداة لتكبيلهم وإسكاتهم.
فالمواطن الفقير لم يعد يملك سوى الشكوى، والحكومة لا تقدم سوى مسكنات إعلامية.

وفي النهاية، يبدو أن الهدف الأساسي لهذه السياسات هو تأمين بقاء السيسي على رأس السلطة، حتى وإن دفع الشعب الثمن من قوته وكرامته.