في واحدة من أكثر المعارك الدبلوماسية إثارة للجدل، تفجّرت فضيحة جديدة حول مساعي مصر للسيطرة على منصب المدير العام لليونسكو عبر مرشحها خالد العناني.
هذه المرة، لم تكتفِ القاهرة بالدعم التقليدي، بل دفعت – بتوجيه مباشر من عبدالفتاح السيسي – إلى استخدام كل الوسائل، بما فيها الرشاوى الثقافية والسياسية، لإجبار منافسين على الانسحاب، في محاولة يائسة لتلميع صورة نظام فقد بريقه داخليًا وخارجيًا.

وسط هذه الأجواء، أعلنت السفيرة الإماراتية منى الكعبي انسحابها المفاجئ من السباق.
الكعبي، التي تحظى بصورة دبلوماسية هادئة، اكتفت ببيان قصير تحدّث عن “تقديرها للظروف والتوازنات داخل المنظمة”، وهو ما فُسّر على نطاق واسع بأنه انسحاب تحت ضغوط وتحركات مصرية كثيفة، رُسمت بعناية من داخل أروقة السلطة في القاهرة.
 

معرض أبوظبي… بوابة الرشوة الناعمة
أولى الخطوات المصرية كانت عبر معرض أبوظبي الدولي، حيث جرى “فرش” آلاف القطع الأثرية المصرية النادرة، بعضها لم يخرج من المخازن منذ عقود، في مشهد وصفه خبراء بالرشوة الدبلوماسية المبطنة.
وزيرة الاستثمار السابقة داليا خورشيد لعبت دور الوسيط، مقدمة هذه الكنوز كرسالة واضحة إلى الإمارات: "ادعموا عناني، وستكون لكم الأولوية في ملف الآثار".

هذا التحرك لم يكن بريئًا، بل جاء بعد إدراك القاهرة أن مرشحة الإمارات منى الكعبي قد تشكّل تهديدًا حقيقيًا لحظوظ المرشح المصري.
الانسحاب المفاجئ للكعبي بعد أسابيع قليلة من هذه الترتيبات عزّز الشكوك بأن المسألة لم تكن قرارًا سياديًا حرًا، بل نتاج ضغوط وصفقات.
 

هالة السعيد… سمسار أراضي الساحل الشمالي
في الكواليس، تولت هالة السعيد، وزيرة التخطيط، دورًا آخر وُصف بأنه أشبه بـ"سمسرة سياسية". تقارير عدة تحدّثت عن وعود بتسهيلات واسعة في مشروعات الساحل الشمالي لصالح مستثمرين إماراتيين، مقابل تأمين دعم سياسي كامل للمرشح المصري. هنا، لم تكتفِ الدولة ببيع تاريخها عبر الآثار، بل راحت تبيع جغرافيتها أيضًا.
السنغال ونسخ توت عنخ آمون
الفضيحة لم تتوقف عند الخليج. فمع تزايد الحديث عن احتمال دعم السنغال للمرشح الكونغولي المنافس، لجأت القاهرة إلى حيلة جديدة: تقديم نسخ متطابقة من مجموعة توت عنخ آمون كهدايا دبلوماسية. الهدف كان واضحًا: شراء الموقف السنغالي بأي ثمن. هذه الخطوة، التي تسربت أخبارها داخل أوساط ثقافية، كشفت مدى استعداد النظام للتفريط في رموز التراث الوطني لتحقيق مكسب سياسي عابر.
 

السيسي والبحث عن شرعية دولية مفقودة
كل هذه التحركات تعكس شيئًا واحدًا: إصرار عبدالفتاح السيسي على انتزاع هذا المنصب بأي وسيلة، لا حبًا في الثقافة أو الإيمان برسالة اليونسكو، بل لأن النظام بحاجة ماسة إلى “إنجاز خارجي” يغطّي على فشله الداخلي.
الاقتصاد يترنح، الديون تتضخم، صورة النظام في الخارج باتت مرتبطة بالقمع والانتهاكات.
لذلك، رأى السيسي في مقعد اليونسكو فرصة ذهبية لتصدير صورة زائفة عن "مصر الحضارة والثقافة"، بينما الواقع يشي بانهيار متسارع على كل المستويات.

وأخيرا فإن انسحاب منى الكعبي لم يكن سوى حلقة في مسرحية رتبتها القاهرة بعناية.
الرشاوى بالآثار، الصفقات العقارية، نسخ توت عنخ آمون… كلها تكشف أن مصر الرسمية لم تعد تملك سوى بيع تاريخها وحاضرها مقابل مقعد شرفي في مؤسسة دولية.
لكن السؤال الجوهري يبقى: هل يستطيع السيسي عبر هذه الصفقات أن يغيّر صورة نظامه المتدهورة؟ الإجابة بوضوح: لا. فالتاريخ لا يُشترى، والشرعية لا تُستورد من اليونسكو، بل تُبنى في الداخل عبر احترام الشعوب وحقوقها.