لا تزال الأوضاع الاقتصادية في مصر تسير من سيئ إلى أسوأ، وسط عجز حكومي فاضح عن وقف النزيف المستمر الذي يطال مختلف القطاعات.
فبينما يواصل المسؤولون إطلاق وعود جوفاء حول "تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي" و"تعافي قريب"، تأتي البيانات الرسمية لتكشف الحقيقة الصادمة: القطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر يعيش حالة انكماش خانقة للشهر السادس على التوالي.
 

أرقام لا تكذب
بحسب تقرير مؤشر مديري المشتريات الصادر عن "إس آند بي غلوبال"، هبط المؤشر في أغسطس إلى 49.2 نقطة من 49.5 نقطة في يوليو، ليبقى عالقًا في منطقة الانكماش، حيث إن مستوى الخمسين نقطة هو الفاصل بين النمو والانكماش. ورغم أن الرقم جاء أعلى من متوسط الدراسة البالغ 48.2 نقطة، إلا أن استمرار البقاء تحت 50 نقطة يعكس جمودًا اقتصاديًا وفشلًا حكوميًا في توفير بيئة عمل مستقرة.
 

التضخم ينهش والطلب يتراجع
يشير التقرير إلى أن مخاوف التضخم تسببت في تراجع طلب العملاء بشكل ملحوظ، ما دفع الشركات إلى تقليص الإنتاج.
فالمواطن المصري، المثقل بارتفاع الأسعار وتدهور قدرته الشرائية، لم يعد قادرًا على الاستهلاك، وهو ما يضرب قلب القطاع الخاص في مقتل.
وعلى الرغم من أن معدل التضخم الرسمي انخفض قليلًا إلى 13.9% في يوليو مقارنة بمستويات 2024، إلا أن هذا الرقم يظل مرتفعًا للغاية بالنسبة لاقتصاد هش، ويؤكد أن وعود الحكومة بكبح جماح التضخم لم تتجاوز الشعارات الإعلامية.
 

سياسات عبثية وواقع مرير
الخبير الاقتصادي ديفيد أوين، من "إس آند بي غلوبال ماركت إنتليجنس"، أكد أن استمرار ضغوط التضخم يقوض توقعات المبيعات والإنتاج في مصر.
وبالرغم من بعض التراجع في تكاليف التشغيل إلى مستويات تعد الأدنى منذ 2021، فإن غياب خطة حكومية واضحة لاستثمار هذه التطورات يبدد أي أمل في التعافي.
فالمؤشرات تؤكد أن الحكومة تكتفي بالاقتراض الخارجي وتبرير أزماتها، بينما يظل القطاع الخاص يعاني من الانكماش وتراجع الاستثمارات.
 

بطالة مقنّعة وزيادة شكلية في التوظيف
أشار التقرير إلى أن بعض الشركات لجأت إلى زيادة التوظيف للشهر الثاني على التوالي، بعد أول ارتفاع في يوليو منذ 9 أشهر، لكن هذه الزيادة لا تعكس بالضرورة انتعاشًا اقتصاديًا حقيقيًا.
بل هي أقرب إلى محاولة يائسة لمعالجة الأعمال المتراكمة، دون وجود نمو حقيقي في الإنتاج أو توسع استثماري.

هذا يعني أن سوق العمل ما زال يعاني من البطالة المقنعة، حيث يُوظَّف العمال دون عوائد إنتاجية ملموسة.
 

المستهلك يدفع الثمن
رغم تراجع ضغوط تكاليف الإنتاج، لجأت الشركات إلى رفع أسعار منتجاتها وخدماتها بأسرع معدل منذ مايو، في محاولة لتعويض ارتفاع أسعار الواردات وزيادة رواتب الموظفين.
النتيجة أن المواطن المصري وجد نفسه يدفع المزيد مقابل نفس الخدمات والمنتجات، في وقت تتراجع فيه الدخول الحقيقية وتزداد المعاناة اليومية.
 

الثقة غائبة والمستقبل قاتم
الأخطر أن الشركات المصرية نفسها تبنت نظرة متحفظة تجاه المستقبل، حيث ظلت توقعاتها دون تغيير منذ يوليو، وهو ما يعكس غياب الثقة في أي إصلاح اقتصادي جاد.
فطالما أن الحكومة مستمرة في الاعتماد على الاقتراض الخارجي، وإهمال دعم القطاع الخاص والإنتاج المحلي، فإن الانكماش سيظل سمة الاقتصاد المصري في عهد السيسي.
 

حكومة عاجزة وشعب يدفع الثمن
البيانات الصادرة لا تحتمل التجميل ولا التبرير. فالمؤشرات الدولية تثبت أن مصر تسير في طريق الانكماش، وأن وعود النظام ليست سوى محاولة لتزييف الواقع.

المواطن المصري هو الضحية الأولى: بين تضخم يلتهم دخله، وبطالة تخنق أحلامه، وارتفاع أسعار يبدد ما تبقى من قوته الشرائية.
أما الحكومة، فما زالت تكتفي بالحديث عن "الإصلاحات" بينما تترك القطاع الخاص ينهار، والشعب يغرق في أزماته اليومية.