كشف مصدر بمجلس وزراء مصفى مدبولي أن حكومته تعتزم تحويل زراعة 300 ألف فدان في منطقة الدلتا من بنجر السكر إلى القمح، في خطوة تعكس حجم التحديات التي تواجهها البلاد في ملف الأمن الغذائي، بعد فشل وزارة التموين في تحقيق مستهدفاتها من القمح المحلي خلال الموسم الأخير.
خلفية القرار.. أزمة القمح تتصاعد
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، تواجه مصر – أكبر مستورد للقمح في العالم – أزمة حادة في توفير احتياجاتها من الحبوب.
ورغم إعلان الحكومة مرارًا عن خطط لزيادة الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد، فإن الأرقام تكشف عن فشل في تحقيق المستهدفات.
وزارة التموين كانت قد حددت هدفًا لتوريد 4 ملايين طن من القمح المحلي هذا العام، لكنها لم تتمكن من جمع الكمية المستهدفة، ما اضطرها لزيادة الاستيراد رغم أزمة النقد الأجنبي.
القرار الجديد بتحويل زراعة البنجر إلى القمح يبدو محاولة لسد الفجوة وتقليل فاتورة الاستيراد التي تضغط على الاحتياطي النقدي.
بنجر السكر.. خسارة استراتيجية؟
لكن التحول المفاجئ يثير تساؤلات حول تداعياته على قطاع صناعة السكر، خاصة أن البنجر يمثل العمود الفقري لإنتاج السكر في مصر بعد قصب الصعيد.
300 ألف فدان ليست مساحة صغيرة، وأي نقص في زراعة البنجر سيؤثر على المصانع المرتبطة به، وعلى توازن سوق السكر الذي يشهد بالفعل ارتفاعًا في الأسعار.
خبير الاقتصاد الزراعي الدكتور محمد عبدالسلام يرى أن الخطوة تعكس غياب الرؤية المتكاملة: "القرار قد يحل أزمة القمح جزئيًا لكنه يخلق أزمة جديدة في السكر، ما يعني أننا ندور في دائرة أزمات مفتوحة بسبب السياسات العشوائية."
هل تكفي هذه الخطوة؟
حتى لو نجحت الحكومة في تحويل 300 ألف فدان لزراعة القمح، يبقى السؤال: هل ستغطي هذه المساحة الفجوة الكبيرة بين الإنتاج والاستهلاك؟
وفقًا للإحصاءات، استهلاك مصر من القمح يتجاوز 18 مليون طن سنويًا، بينما الإنتاج المحلي لا يتخطى 9 ملايين طن في أفضل الظروف. إضافة 300 ألف فدان قد تزيد الإنتاج بنحو 750 ألف طن فقط، وهي نسبة محدودة مقارنة بحجم العجز.
خبير الحبوب أحمد السيد النجار يعلق: "القرار أقرب إلى المسكنات منه إلى الحلول الجذرية. نحن بحاجة إلى استراتيجية شاملة تشمل التوسع الأفقي في الأراضي الجديدة، وترشيد الاستهلاك، ودعم الزراعة التعاقدية بشكل جاد."
المزارعون الذين اعتادوا زراعة البنجر يواجهون تحديات كبيرة مع هذا التحول. زراعة القمح تختلف في تكاليفها ومستلزماتها، كما أن أسعار التوريد التي تحددها الحكومة غالبًا لا تتماشى مع ارتفاع تكاليف الإنتاج. هذا قد يدفع بعضهم إلى العزوف عن الزراعة أو التحول لمحاصيل أكثر ربحية، ما يهدد نجاح الخطة.
أحد المزارعين في محافظة كفر الشيخ قال : "إحنا تعودنا على البنجر وعندنا تعاقدات مع مصانع السكر. لو الحكومة عايزة القمح لازم ترفع سعر التوريد وتوفر الأسمدة، وإلا هنخسر."
أزمة إدارة أم أزمة موارد؟
قرار تحويل مساحات من البنجر إلى القمح قد يبدو خطوة إيجابية في سياق تعزيز الأمن الغذائي، لكنه يكشف في الوقت نفسه عن أزمة إدارة أكثر منها أزمة موارد.
فالاعتماد على الحلول الجزئية دون استراتيجية طويلة المدى يجعل الحكومة تتحرك بردود فعل بدلاً من التخطيط الاستباقي.
في النهاية، تبقى الحقيقة واضحة: الأمن الغذائي في مصر لا يمكن أن يتحقق بقرارات ارتجالية، بل بخطة متكاملة تعالج المشكلات الهيكلية في الزراعة، من نقص المياه وغياب التكنولوجيا الحديثة إلى ضعف التمويل للمزارعين.
ويبقى السؤال: هل سيكون هذا القرار خطوة في طريق الاكتفاء الذاتي، أم بداية لأزمة جديدة في سوق السكر؟ الأيام القادمة ستكشف الإجابة.