في مشهد يعكس عمق الأزمة المائية التي تعيشها مصر، خرج مصطفى مدبولي بتصريحات مثيرة للجدل خلال لقائه مع رئيس إحدى شركات هندسة الطاقة الصينية، معلنًا أن الحكومة تستهدف رفع إنتاجية المياه المُحلاة من مياه الصرف إلى 10 ملايين متر مكعب يوميًا.
ورغم تقديم هذه الخطوة على أنها إنجاز، فإنها تفضح في الواقع فشل النظام في إدارة ملف سد النهضة وتأمين حق مصر التاريخي في مياه النيل، لتتحول النتيجة إلى ما اعتبره المصريون "شرب مياه المجاري رسميًا".
 

مياه الصرف… إنجاز أم مهزلة؟
مدبولي تحدث بفخر عن استهداف إنتاج 10 ملايين متر مكعب يوميًا من المياه المحلاة من الصرف الصحي، وكأنها قفزة حضارية، بينما يرى الخبراء أن الأمر لا يعدو كونه كارثة صحية واجتماعية.

الدكتور محمود عبدالعاطي، خبير الموارد المائية، يؤكد: "تحلية مياه الصرف لتصبح صالحة للشرب أمر ممكن تقنيًا، لكنه مكلف للغاية، ولا يمكن اعتباره حلاً استراتيجيًا لدولة تعتمد أساسًا على نهر النيل".

ويضيف:"هذا الإعلان رسالة واضحة بأن الدولة فقدت السيطرة على ملف سد النهضة، ولم يعد أمامها سوى تعويض النقص بطرق بدائية وخطيرة على الصحة العامة".
 

من مياه النيل إلى مياه المجاري… المصريون يدفعون الثمن
غضب الشارع المصري من تصريحات مدبولي كان واسعًا، حيث اعتبرها الكثيرون إهانة للمواطنين، الذين يواجهون بالفعل أزمات مع ارتفاع أسعار المياه وظهور مشاكل في جودة مياه الشرب في بعض المحافظات.

يقول الناشط هيثم أبو خليل في تغريدة: "من أكبر أنهار العالم إلى مياه الصرف الصحي… هذه إنجازات السيسي الذي فرط في النيل ووقع على اتفاقيات أضاعت حقوق مصر المائية".

أما الكاتب الصحفي سليم عزوز فقد سخر قائلاً: "السيسي الذي قال (المياه خط أحمر) هو نفسه الذي جعل المصريين يشربون مياه المجاري، والآن يقدم ذلك على أنه مشروع قومي!".
 

بدائل أهدرها النظام لصالح الفشل
الخبراء يؤكدون أن هناك حلولًا بديلة كان يمكن العمل عليها قبل الوصول إلى هذه المرحلة الحرجة، من بينها:

  • التحرك الدولي المبكر لوقف بناء السد أو فرض اتفاق ملزم قبل التخزين.
  • تطوير شبكات الري وتقليل الفاقد المائي بدلًا من إهدار مليارات في مشروعات تجميل العاصمة الإدارية.
  • التوسع في تحلية مياه البحر بدلاً من الاعتماد على الصرف الصحي كمصدر أساسي للشرب.
     

سد النهضة… من التعهدات إلى الفشل الكامل
عندما وقّع السيسي اتفاق المبادئ في مارس 2015، وعد المصريين بأن حقوقهم المائية في أمان.
لكن السنوات أثبتت أن هذا الوعد لم يكن سوى سراب سياسي، إذ مضت إثيوبيا في بناء السد وتخزين المياه دون أن تحقق القاهرة أي مكاسب حقيقية.
بل إن المفاوضات تحولت إلى مهزلة دبلوماسية انتهت بتوقيع النظام على اتفاقيات زادت من قوة أديس أبابا في مواجهة مصر.

اليوم، ومع اكتمال التخزين الرابع للسد، بدأت تظهر تداعيات الكارثة: تراجع حصة مصر المائية، انخفاض منسوب النيل في بعض المناطق، وتفاقم أزمة الشح المائي.
وفي ظل هذا الواقع، لجأت الحكومة إلى حلول ترقيعية، أبرزها تحلية مياه الصرف الصحي، وهو ما يعد إقرارًا رسميًا بالعجز والفشل.
 

أزمة وطنية بسبب سوء الإدارة
تصريحات مدبولي لم تكن مجرد إعلان عن مشروع، بل شهادة إدانة للنظام بأكمله، الذي فرط في حقوق مصر المائية وقاد البلاد إلى حافة العطش.
فبينما كان المصريون ينتظرون حلاً لأزمة سد النهضة، جاء الرد الرسمي بأن يشربوا مياه الصرف بعد "تحليتها"، في مشهد يلخص فشل إدارة واحدة من أهم القضايا الاستراتيجية في تاريخ مصر الحديث.