في اعتراف خطير، أعلن وزير المالية أحمد كجوك أن عجز الموازنة العامة لمصر بلغ 1.18 تريليون جنيه للعام المالي 2024-2025، وهو رقم كارثي يعكس فشلًا ذريعًا في إدارة الاقتصاد.

هذا العجز الضخم لم يأتِ من فراغ؛ بل هو نتيجة مباشرة لسياسات عبد الفتاح السيسي وحكومته، التي أغرقت البلاد في الديون وأنفقت المليارات على مشروعات استعراضية لا تعود بأي نفع على المواطن.

اليوم، وبعد سنوات من الوعود الكاذبة بتحقيق الاستقرار والنمو، يجد المصريون أنفسهم أمام واقع اقتصادي قاتم، فيما الحكومة تواصل الهروب إلى الأمام عبر المزيد من الاقتراض والضرائب.
 

أسباب العجز.. فشل إداري أم فساد مالي؟
الحكومة المصرية تحاول تسويق فكرة أن العجز سببه الظروف العالمية والحروب والتوترات الإقليمية، لكن الحقيقة أبعد من ذلك بكثير. فشل السياسات الاقتصادية الداخلية هو السبب الرئيسي.
بدلًا من التركيز على الاستثمار في الإنتاج والزراعة والصناعة، اتجهت الحكومة إلى مشروعات إنشائية ضخمة غير منتجة مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة، التي التهمت مئات المليارات ولم تدرّ على المصريين أي عائد حقيقي.

كما أن الاعتماد المفرط على القروض لسد العجز بدلًا من الإصلاح الهيكلي جعل الدين العام ينفجر، حتى أصبحت خدمة الدين (فوائد وأقساط) تلتهم معظم الإيرادات، تاركة الدولة عاجزة عن الإنفاق على التعليم والصحة والدعم.
 

إيرادات وهمية ونفقات غير مبررة
بينما تتحدث الحكومة عن زيادة الإيرادات، فإن الواقع يكشف عكس ذلك. الضرائب هي المصدر الرئيسي للإيرادات، ومع ذلك يتم زيادتها بشكل جنوني على المواطنين، سواء عبر ضريبة القيمة المضافة أو الرسوم الحكومية التي لا تنتهي، في حين تظل القطاعات المربحة مثل شركات الجيش معفاة من الضرائب تمامًا.

أما النفقات، فحدث ولا حرج؛ مليارات تُهدر على المؤتمرات والدعاية والمهرجانات الإعلامية، في وقت يتم فيه تجميد تعيينات الأطباء والمعلمين، وتُغلق المدارس لعدم وجود تمويل، بينما يستمر الإنفاق ببذخ على القصور والمواكب والمهرجانات.
 

السيسي.. المسؤول الأول عن الكارثة
لا يمكن الحديث عن هذا الانهيار دون تحميل المسؤولية للرئيس عبد الفتاح السيسي.
فمنذ 2014، أطلق السيسي وعودًا براقة بتحويل مصر إلى "دولة عظمى"، لكنه اختار طريق المشاريع الاستعراضية التي لا تحقق أي عائد اقتصادي، بينما أُهملت القطاعات الإنتاجية الحقيقية مثل الصناعة والزراعة.
كما أن سياسة التوسع في الاقتراض جعلت مصر اليوم في قبضة صندوق النقد الدولي، تخضع لشروط قاسية أدت إلى رفع الدعم، وزيادة الأسعار، وإفقار ملايين المصريين.

حتى الآن، لم يقدم السيسي أي خطة واقعية لخفض العجز أو خلق موارد حقيقية، بل إن الحكومة تواصل سياسة الجباية والضرائب وبيع أصول الدولة للأجانب تحت مسمى "الطروحات"، في محاولة يائسة لتوفير سيولة لسداد الديون، وليس لتحسين معيشة المواطن.
 

النتيجة: المواطن يدفع الثمن
كل هذه الأخطاء الحكومية لا يدفع ثمنها سوى المواطن البسيط. الحكومة تسد العجز عبر الاقتراض والضرائب وزيادة الأسعار، وهو ما أدى إلى تضخم غير مسبوق وانهيار القوة الشرائية.
أسعار السلع والخدمات ارتفعت بنسبة تتجاوز 50% خلال العامين الأخيرين، بينما الرواتب ثابتة أو بالكاد تتحرك. الدعم يتم تقليصه باستمرار، وفواتير الكهرباء والوقود ترتفع بشكل جنوني، في وقت تتحدث فيه الحكومة عن "إنجازات كبرى" لا يراها المواطن في حياته اليومية.
 

تحذيرات الخبراء: مصر على حافة الإفلاس؟
خبراء الاقتصاد يحذرون من أن استمرار هذا الوضع ينذر بكارثة. الخبير الاقتصادي هاني سرحان يؤكد أن "عجز الموازنة بهذا الحجم يعني أن الدولة تقترض لتسد الفجوة التمويلية، ومع ارتفاع الفوائد، تصبح القروض الجديدة كارثة مضاعفة".

بينما يرى الدكتور أحمد ذكرى أن "الحكومة لا تمتلك رؤية إصلاحية حقيقية، وكل ما تفعله هو شراء الوقت عبر الاقتراض، وهذا طريق يقود في النهاية إلى الإفلاس أو إعادة هيكلة الديون تحت شروط قاسية".
 

حكومة بلا حلول
تصريح وزير المالية ليس مجرد رقم، بل هو جرس إنذار بأن الاقتصاد المصري يترنح تحت أعباء الديون والعجز المالي، في ظل غياب رؤية اقتصادية واضحة، واستمرار سياسة الهروب إلى الأمام عبر القروض.
إذا لم يتم تغيير النهج بالكامل، فإن السنوات القادمة ستشهد انفجارًا اقتصاديًا غير مسبوق، وسيكون المواطن هو الضحية الأولى.

كما الأزمة الحالية تنذر بمزيد من الانهيار. الخبراء يحذرون من أن استمرار هذا المسار سيؤدي إلى تفجير اجتماعي في أي لحظة، مع تفاقم البطالة وارتفاع الأسعار وتآكل الطبقة الوسطى.
والمقلق أن الحكومة لا تبدو مستعدة لتغيير سياساتها، بل تواصل المضي في نفس النهج الكارثي الذي قاد إلى عجز يفوق التريليون جنيه.