في خطوة تكشف عمق الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد المصري، أعلن وزير المالية أحمد كجوك خلال مؤتمر صحفي عن نية الحكومة طرح إصدارات دولية في سوق الدين تتراوح قيمتها بين 3 إلى 4 مليارات دولار، بعدد قد يصل إلى أربع إصدارات خلال العام المالي الحالي.
هذا التصريح الذي جاء في وقت تسجل فيه مصر عجزًا في الموازنة العامة قدره 1.18 تريليون جنيه، يثير تساؤلات خطيرة حول جدوى هذه السياسة التي تعتمد على الاقتراض الخارجي كحل مؤقت لأزمة هيكلية متفاقمة.
فهل تمثل هذه الإصدارات طوق نجاة أم مسمارًا جديدًا في نعش الاقتصاد المصري؟
ديون بلا سقف.. وأجيال تدفع الثمن
يقول الخبير الاقتصادي هشام إبراهيم إن إعلان كجوك عن الإصدارات الجديدة يأتي في ظل تضخم الدين الخارجي الذي تجاوز 170 مليار دولار، ما يعني أن مصر تواصل السير في طريق الاعتماد المفرط على القروض لسد عجز الموازنة وسداد فوائد الديون السابقة.
ويضيف: "هذه السياسة قصيرة الأجل ولا تعالج أصل المشكلة، بل تزيد من هشاشة الاقتصاد وتجعل مصر أكثر عرضة لمخاطر التخلف عن السداد إذا استمرت الضغوط على العملة المحلية وتراجع الاحتياطيات."
كما يشير مراقبون إلى أن الاعتماد على أدوات الدين الدولية يجعل مصر رهينة لتقلبات الأسواق العالمية وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، ما يعني أن خدمة الدين ستلتهم نسبة أكبر من الموازنة، على حساب التعليم والصحة والدعم الاجتماعي.
إصدارات بالدولار.. نزيف جديد للعملة الصعبة
بحسب المحلل المالي أحمد ذكرى، فإن الإصدارات الدولية بالدولار لن تكون بلا تكلفة؛ فالمستثمرون سيطالبون بعوائد مرتفعة نظرًا لارتفاع المخاطر في السوق المصرية وتراجع التصنيف الائتماني للبلاد.
ويضيف: "الاقتراض بهذه الطريقة قد يوفر سيولة مؤقتة، لكنه يزيد التزامات الدولة من العملة الصعبة، وهو أمر خطير في ظل أزمة نقص الدولار الحالية وتراجع الإيرادات الدولارية من السياحة والتحويلات."
كما حذر من أن الاعتماد على الديون الخارجية بدلاً من تحفيز الاستثمار المحلي والإنتاج الحقيقي يضع الاقتصاد في حلقة مفرغة، حيث يتم تمويل الدين بالدين دون أي خطط واضحة لزيادة الإيرادات أو خفض الإنفاق.
الحكومة تُجمّل الصورة.. لكن الواقع مُرّ
تحاول وزارة المالية تصوير هذه الإصدارات كخطوة ضرورية لتغطية احتياجات الموازنة ودعم استقرار السوق، لكن الخبير الاقتصادي ممدوح الولي يرى أن هذا مجرد "تجميل إعلامي" يخفي حقيقة أن الحكومة غير قادرة على زيادة الإيرادات من الضرائب أو تقليل النفقات غير الضرورية.
ويضيف: "الحكومة أنفقت مليارات الدولارات على مشروعات غير ذات أولوية مثل القطار السريع والعاصمة الإدارية، والآن تلجأ للاقتراض الخارجي لسد فجوة السيولة، في وقت يعاني فيه المواطن من ارتفاع أسعار السلع والخدمات وتآكل قدرته الشرائية."
الولي يصف هذه السياسة بأنها "إدارة أزمة وليست حلًا"، إذ لا توجد رؤية واضحة لإصلاح هيكلي أو تعزيز الإنتاج الصناعي والزراعي الذي يضمن موارد حقيقية بالعملة الأجنبية.
النتيجة: أعباء متراكمة وانهيار الثقة
المحصلة النهائية لهذه الإصدارات ستكون مزيدًا من الأعباء على الاقتصاد والمواطنين.
إذ تشير تقديرات خبراء إلى أن فوائد الديون وحدها تلتهم أكثر من 55% من الموازنة العامة، ما يعني أن أي إصدارات جديدة ستضاعف من هذا العبء، وتدفع الحكومة لمزيد من إجراءات التقشف، التي غالبًا ما يتحملها المواطن البسيط.
وبحسب الخبير المالي خالد عبد الله، فإن هذه السياسات تؤدي إلى فقدان الثقة في الاقتصاد المصري لدى المستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء، لأن الاعتماد على القروض بدلاً من الإنتاج يعكس فشلًا في إدارة الموارد والإصلاح الحقيقي.
في ظل هذه الحقائق، يبقى السؤال: إلى متى ستظل الحكومة المصرية تعالج أزمتها بالقروض الدولية بدلًا من وضع خطة جادة للنهوض بالإنتاج وتخفيف معاناة المواطن؟