يشهد قطاع الصحة النفسية وعلاج الإدمان في مصر حالة غير مسبوقة من الاضطراب الإداري والجدل المجتمعي، وسط تحذيرات من تدهور مستوى الخدمات الطبية المقدمة للمرضى، وارتفاع تكاليف العلاج إلى مستويات تفوق قدرات شريحة واسعة من الأسر.
ففي بيان صدر مؤخرًا، طالبت حملة «مصيرنا واحد» عبد الفتاح السيسي بـ«التدخل العاجل لإنقاذ قطاع الصحة النفسية»، مؤكدة أن سلسلة القرارات الوزارية الأخيرة تسببت في ارتباك إداري وتراجع ملحوظ في الاهتمام بالملف.
قرارات مثيرة للجدل
أحدث تلك القرارات كان تكليف الطبيب أيمن عباس لتسيير أعمال الإدارة المركزية للصحة النفسية. القرار أثار انتقادات واسعة، إذ أوضح منسق الحملة أحمد حسين، أن عباس «طبيب عظام لا يمتلك خبرة متخصصة في مجال الطب النفسي، ولم يعمل من قبل في إدارة مؤسسات الصحة النفسية».
وأشار إلى أن «خصوصية هذا القطاع وقانونه الخاص (رعاية المريض النفسي) تتطلب قيادة ذات خبرة مباشرة ومعرفة دقيقة بالملف».
الجدل تصاعد مع تداول أنباء عن وقف المحافظ عمل عباس مؤقتًا في منصبه السابق كمدير لمديرية الصحة بالفيوم لحين انتهاء تحقيقات، وهو ما زاد من علامات الاستفهام حول قرار تعيينه الجديد.
تغييرات متكررة في القيادة
يعكس تعيين عباس كثرة التغييرات في قيادة القطاع، حيث يُعد ثالث مسؤول يتولى المنصب خلال أقل من ستة أشهر، بعد وسام أبو الفتوح ومنن عبد المقصود.
الأخير أُقيل في مايو الماضي إثر اتهامات بوجود مخالفات مالية وإدارية تتعلق بإدارة سوق عقار «الميثادون» المستخدم في علاج الإدمان، فضلًا عن إهدار ملايين الجنيهات على برامج علاجية غير واضحة المعالم.
كما جاءت إقالته بعد تقديم النائبة سناء السعيد طلب إحاطة تحت قبة البرلمان حول «انتهاكات جسيمة» في مستشفى الخانكة للصحة النفسية، شملت السماح لشخص منتحل صفة طبيب بالكشف على المريضات وإصدار وصفات علاجية غير قانونية، بالإضافة إلى وقائع اعتداءات جسدية وتعيينات مثيرة للجدل شابتها شبهات فساد إداري.
من «الأمانة العامة» إلى «الإدارة المركزية»
واعتبرت الحملة أن تغيير مسمى «الأمانة العامة للصحة النفسية» إلى «الإدارة المركزية»، وإلحاقها بقطاع الطب العلاجي، يمثل خطوة تراجعية تقلص من استقلالية وخصوصية القطاع.
وأوضح حسين أن هذا القرار «جعل الصحة النفسية مجرد ملف ضمن ملفات مديريات الصحة، بعدما كانت الأمانة تتمتع بميزانية مستقلة وترفع تقاريرها مباشرة للوزير».
وأضاف أن المشرف الحالي على الإدارة طبيب طوارئ وليس متخصصًا في الطب النفسي.
أزمة تكاليف العلاج
الأزمة لم تتوقف عند الاضطراب الإداري، بل امتدت إلى الجانب الاقتصادي. فقد أصدرت وزارة الصحة لائحة مالية جديدة رفعت بموجبها رسوم الإقامة والعلاج في مستشفيات الصحة النفسية ومراكز علاج الإدمان، لتتراوح بين 4500 و16 ألف جنيه شهريًا، بخلاف التكاليف العلاجية الإضافية.
هذا القرار دفع المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى رفع دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، نيابة عن عدد من المرضى وأولياء أمورهم، للمطالبة بوقف تنفيذ قرار وزير الصحة رقم 220 لسنة 2025، معتبرين أن «الزيادة غير منطقية وتؤدي عمليًا إلى حرمان الفقراء من العلاج ودفع المرضى للعزوف عن تلقي الرعاية».
استغاثة وقلق مجتمعي
في ظل هذه التطورات، تعالت أصوات منظمات المجتمع المدني وأطباء نفسيين وخبراء في الصحة العامة محذّرين من أن «استمرار التخبط الإداري وارتفاع التكاليف سيقود إلى كارثة صحية واجتماعية».
وأكدوا أن المرض النفسي لا يقل خطورة عن الأمراض المزمنة الأخرى، بل قد يشكل تهديدًا مباشرًا على استقرار المجتمع إذا تُرك دون علاج.
وتسعى حملة «مصيرنا واحد» إلى حشد الرأي العام للضغط من أجل إعادة النظر في القرارات الأخيرة، مؤكدة أن «الصحة النفسية ليست رفاهية، بل حق أصيل للمواطنين، وحمايتها مسؤولية الدولة».