في مشهد يعكس نهج السمسرة الحكومية في ممتلكات المواطنين، بدأت الحكومة المصرية تنفيذ مخطط إزالة مساكن محيط مثلث ماسبيرو، بعد أن قررت صرف تعويضات هزيلة لا تتجاوز 250 ألف جنيه للساكن الواحد، في الوقت الذي تُباع فيه نفس الوحدات لاحقًا للمستثمرين الأجانب – وعلى رأسهم مستثمرون إماراتيون – بأسعار تصل إلى 20 مليون جنيه هذه الأرقام الفاضحة تعني أن ما يحصل عليه الأهالي لا يمثل سوى 12% من القيمة الحقيقية، ما فتح الباب أمام موجة غضب عارمة واستغاثات من سكان المنطقة الذين يرفضون ترك منازلهم.
التعويضات: أرقام صادمة تكشف الجريمة الاقتصادية
وفقًا للبيانات الرسمية، حددت الحكومة قيمة التعويض للساكن بنحو 250 ألف جنيه فقط، مع وعود ببدائل سكنية في مناطق بعيدة عن وسط العاصمة. في المقابل، يكشف مخطط البيع أن المتر في الأبراج الاستثمارية التي ستُقام في نفس المنطقة سيصل إلى 150 ألف جنيه، أي أن الوحدة السكنية التي كانت ملكًا لأحد الأهالي ستباع بما يزيد عن 20 مليون جنيه للمستثمرين. هذه الفجوة الضخمة تثير تساؤلات عن الفساد الممنهج وتحويل ثروات الشعب إلى أذرع رأسمالية تتحكم في قلب القاهرة التاريخية.
استغاثات الأهالي: “بيبيعونا مع الأرض”
أهالي المنطقة عبّروا عن رفضهم القاطع لترك منازلهم مقابل هذه التعويضات الزهيدة، معتبرين أن ما يحدث هو تهجير قسري تحت غطاء قانوني. أحد السكان يقول: “بيبيعونا بثمن التراب، حياتنا هنا ومصدر رزقنا هنا.. مش هنسيب بيوتنا مقابل فلوس ما تكفيش شقة في أطراف القاهرة”. مواقع التواصل الاجتماعي اشتعلت بالغضب، وتداول النشطاء صورًا لمظاهرات محدودة ونداءات لإنقاذ ما تبقى من تاريخ المنطقة، التي تمثل واحدة من أقدم الأحياء السكنية وسط العاصمة.
المستفيدون: استثمار إماراتي في قلب القاهرة
المخطط يكشف أن المستثمرين الأساسيين في المشروع هم شركات إماراتية وخليجية حصلت على حق التطوير بأسعار بخسة، ما يرسخ سيطرة المال الأجنبي على المواقع الاستراتيجية في العاصمة. مصادر داخلية تؤكد أن العقود المبرمة تمنح المستثمرين حرية كاملة في تحديد أسعار البيع بما يتجاوز عشرات أضعاف تكلفة الإزالة والتعويض، وهو ما يعني أن الدولة تتنازل عن حقوق شعبها لصالح رجال الأعمال مقابل صفقات سياسية واقتصادية مشبوهة.
أرقام من قلب المأساة: كيف تضيع الثروة العامة؟
التعويض الحكومي: 250 ألف جنيه فقط لكل أسرة.
متوسط سعر البيع: 20 مليون جنيه.
القيمة الفعلية للتعويض مقارنة بالسوق: أقل من 12%.
المساحات التي سيتم طرحها للمستثمرين: أكثر من 70 فدانًا في أرقى مناطق القاهرة.
هذه الأرقام لا تدع مجالًا للشك في أن ما يحدث ليس تطويرًا حضاريًا كما تروّج الحكومة، بل هو بيع علني لممتلكات الشعب بأبخس الأثمان.
تحذيرات الخبراء: كارثة اجتماعية وسياسية على الأبواب
خبراء التخطيط العمراني والاجتماع يؤكدون أن ما يحدث في مثلث ماسبيرو يمثل انحرافًا خطيرًا عن مفهوم التطوير الحضاري. الدكتور علي عبد الخالق، أستاذ التخطيط العمراني، يقول: “إزالة مجتمعات عمرانية مستقرة لصالح مشروعات استثمارية يخلق فجوة طبقية ويؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي الذي يميز وسط القاهرة منذ عقود”.
أما الخبيرة الاجتماعية د. نجلاء يوسف، فترى أن هذه السياسات قد تؤدي إلى زيادة معدلات الجريمة والتسرب من التعليم، موضحة أن تهجير الأسر إلى أطراف العاصمة بدون بدائل مناسبة يفاقم العزلة الاجتماعية ويضعف الترابط الأسري.
الخبير الاقتصادي إبراهيم سعد يحذر من أن هذه المشروعات، التي تُمنح لمستثمرين أجانب، تحرم الاقتصاد الوطني من عوائد ضخمة وتزيد من الاعتماد على التمويل الخارجي، ما يضع البلاد تحت رحمة الديون والشروط السياسية للدول المالكة لرؤوس الأموال.
وأخيرًا، أستاذ علم الاجتماع السياسي د. محمد كامل يؤكد أن ما يحدث في ماسبيرو ليس مجرد تطوير، بل هو هندسة اجتماعية تهدف إلى إقصاء الفقراء من قلب القاهرة لصالح طبقة رأسمالية محدودة، وهو ما قد يخلق احتقانًا شعبيًا متصاعدًا في السنوات المقبلة.
مثلث ماسبيرو.. شاهد على جريمة اقتصادية ضد الفقراء
ما يجري في مثلث ماسبيرو ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل إقصاء الطبقات الفقيرة من قلب العاصمة لصالح تحالف المال والسلطة. الحكومة التي تتحدث عن “التطوير” تُهجر الأهالي وتفرّط في الأراضي لمستثمرين أجانب، في وقت تعجز فيه عن تحسين معيشة مواطنيها أو توفير سكن لائق بأسعار عادلة. والنتيجة: تهجير مقابل أرباح مليارية لشركات إماراتية ومصرية مرتبطة بالنظام، لتتحول القاهرة إلى مدينة للأثرياء فقط.