تشهد مصر واحدة من أخطر أزمات الدواء في تاريخها الحديث، مع نقص حاد في أدوية حيوية مثل أدوية الأطفال، والزهايمر، وأمراض القلب، وضغط الدم، بالإضافة إلى أدوية الأورام والمضادات الحيوية الأساسية.
الأزمة دفعت الأطباء والصيادلة والمرضى لإطلاق استغاثات عاجلة عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، محذرين من كارثة إنسانية إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
 

أصوات الاستغاثة تتصاعد: "أين الدواء؟"
مواقع التواصل الاجتماعي امتلأت بمقاطع فيديو وتدوينات توثق حجم المأساة.
صيادلة يصورون أرففًا فارغة، وأطباء يشرحون خطورة توقف العلاج على حياة المرضى، فيما يطلق الأهالي صرخات استغاثة لإنقاذ أطفالهم.

وسم #أين_الدواء تصدّر تويتر في مصر، حيث شارك الآلاف قصصهم عن البحث عن الدواء في كل المحافظات بلا جدوى. إحدى التغريدات قالت: "مش لاقيين دوا الزهايمر لوالدنا من شهرين.. ووزارة الصحة بتقول الوضع تحت السيطرة!".

وعلق أيمن " الشعب بيسأل رءيس الوزراء فالفلوس فين ويحب محاسبة الحكومة الفاشلة والفاسدة و نشكر السيسى الفاشل على افلاس مصر و الشعب المصري وشريط الدواء 8 جنيه لان 57 جنيه".
https://x.com/aymanmesiha/status/1958752542382289350

بينما دوّن ناشط آخر: "هيئة الشراء الموحد اللي ماسكها لواء مش هتجيب غير الاحتكار والانهيار.. الناس بتموت".
https://youtu.be/pV_6KGYQwqs

إحدى التدوينات المؤثرة كتبها والد طفل مريض بالقلب:"دواء ابني مش لاقيه بقاله أسبوعين.. المستشفى قالت لي هات من بره.. والبره فاضي!"
https://youtu.be/_Z8vTBT9VA0

أما مقطع فيديو انتشر بشكل واسع، فأظهر صيدليًا في القاهرة يفتح درج الصيدلية ليظهر خلوه تمامًا من أدوية الضغط والقلب، مؤكداً: "دي أدوية حياة أو موت.. والناس بتموت بسبب نقص الدوا".
https://youtu.be/mYKER2zfqPM
 

أطباء يحذرون من وفيات جماعية

الطبيب محمود عادل، استشاري القلب، حذّر قائلاً: "تأخير جرعة دواء مريض قلب أو زهايمر مش رفاهية.. ده معناه مضاعفات خطيرة أو وفاة".

وأضافت الدكتورة هبة السيد، طبيبة أطفال: "الرضع في خطر.. فيتامينات وأدوية أساسية اختفت من السوق تمامًا، والحكومة مش شايفة".
 

أين الخلل؟ أصابع الاتهام تتجه إلى هيئة الشراء الموحد
وسط هذه الفوضى، تتجه الأنظار إلى هيئة الشراء الموحد للأدوية والمستلزمات الطبية، التي تأسست قبل سنوات لتكون الجهة الوحيدة المسؤولة عن شراء الأدوية للمستشفيات الحكومية والمراكز الصحية.
الهيئة التي يرأسها اللواء بهاء الدين زيدان، أحد المقربين من النظام، تواجه اتهامات مباشرة بالتسبب في الأزمة.

الخبراء يؤكدون أن احتكار الهيئة لعمليات الاستيراد والمناقصات حرم السوق من المرونة، وأدى لتأخر التعاقدات مع الشركات العالمية، فضلًا عن اتهامات بالبيروقراطية والفساد في إدارة المناقصات.

الخبير الدوائي محمد العريان قال في تصريحات صحفية: "إلغاء دور الشركات الخاصة ووضع كل الصلاحيات في يد جهة واحدة عسكرية أضعف القدرة على توفير الدواء في الوقت المناسب".
 

التضخم والدولار.. أسباب إضافية لكن ليست المبرر الوحيد
صحيح أن أزمة الدولار وارتفاع سعر العملة الأجنبية أثرت على الاستيراد، لكن خبراء يشيرون إلى أن الدول الأخرى التي تمر بنفس الظروف لم تصل إلى هذا المستوى من الانهيار في سوق الدواء.

الحقوقي خالد علي كتب على فيسبوك: "الأزمة مش في الدولار بس.. الأزمة في الاحتكار وسوء الإدارة.. المواطن بيدفع تمن فساد المنظومة".
 

أزمة تهدد الأمن الصحي للمصريين
الأزمة لم تعد مجرد أزمة دواء، بل أزمة نظام كامل في إدارة القطاع الصحي.
وبينما يبرر المسؤولون الأمر بالدولار والأوضاع العالمية، الحقيقة أن سوء التخطيط والاحتكار وانعدام الشفافية حول دور هيئة الشراء الموحد هي الأسباب الرئيسية لهذه الكارثة.

إذا استمر هذا النهج، فإن مصر مهددة بانهيار المنظومة الدوائية تمامًا، وبأرواح تُزهق كل يوم في صمت.