عندما تلجأ حكومة دولة بحجم مصر إلى الاستعانة بـ"بلطجية" يحملون العصيّ أمام سفاراتها في الخارج، فهذه ليست مجرد فضيحة، بل شهادة موت للدبلوماسية المصرية على يد عقلية أمنية مريضة تحكم البلاد منذ سنوات.
انتشرت صور ومقاطع من أمام القنصلية المصرية في فرانكفورت، تُظهر رجلًا يحمل "شومة" وكأنه أمام مقهى شعبي في حارة، لا أمام مبنى يمثل مصر أمام العالم. هذه المشاهد لم تمر مرور الكرام، بل أشعلت غضب المصريين على مواقع التواصل، وأثارت سخرية الأجانب الذين رأوا بأعينهم كيف تحولت الدولة التي كانت رمزًا للحضارة إلى نسخة مصغّرة من عصابات الشوارع.
الدكتور مراد علي لخّص المشهد في تغريدة لاذعة قال فيها: "مشاهد الاشتباكات أمام السفارات والقنصليات المصرية في الخارج تُلحق أذى بالغًا بصورة مصر. والأشد إساءة لجوء بعض المسؤولين إلى الاستعانة بالبلطجية لحماية المقار الدبلوماسية، حتى بلغ الأمر أن يقف بلطجي يحمل (شومة) أمام القنصلية المصرية في فرانكفورت! فأيهما أخطر على سمعة مصر؟ أن تظهر دولة متحضّرة تقبل بوجود مظاهرات سلمية أمام سفاراتها، أم أن تبدو في صورة دولة بلطجية تخاف من أصوات معارضيها؟"
https://x.com/mouradaly/status/1959436043758747706
حكومة ترتجف من لافتة وتخاف من قفل
المثير للسخرية أن كل هذه الفوضى جاءت بسبب مظاهرات سلمية لمصريين مغتربين يرفعون لافتات احتجاجية.
لم يكن هناك اقتحام، لم يكن هناك تهديد، بل مجرد صوت معارض.
لكن الحكومة التي تقتل الكلمة في الداخل، نقلت فزعها إلى الخارج، لتُثبت للعالم أنها لا تطيق حتى الاختلاف في شوارع أوروبا.
بل حتى إذا وضع أحد المحتجين قفلًا على باب القنصلية، فالتصرّف الطبيعي لدولة عاقلة هو نزعه بهدوء، لا استدعاء البلطجة في مشهد يثير الاشمئزاز. لكن ماذا نتوقع من سلطة لم تتعلم شيئًا من التاريخ، وتظن أن العصا أطول من القانون؟
سقوط الهيبة.. من دولة حضارة إلى دولة شومة
هل تدرك الحكومة ماذا يعني أن يقف "بلطجي" أمام قنصلية في قلب أوروبا؟ إنها تقول للعالم: نحن دولة تخاف من شعوبها، نرتجف من لافتة، ونواجه الكلمة بالعصا.
كيف ستطلب هذه الحكومة احترامها بعد ذلك؟ كيف ستقنع المستثمرين أو الشركاء الدوليين بأنها دولة مستقرة، وهي عاجزة عن مواجهة مظاهرة سلمية إلا بالأساليب القذرة؟
الحقيقة المُرّة: هذه ليست واقعة فردية
هذه ليست سلوكًا عابرًا، بل انعكاس لعقلية أمنية تحكم كل شيء، من إدارة الشارع إلى إدارة السياسة الخارجية. نظام يرى في كل معارض إرهابيًا، وفي كل احتجاج قنبلة موقوتة، حتى لو كان في برلين أو باريس.
أليس من المعيب أن تتحول السفارات المصرية، التي يُفترض أن تكون واجهة حضارية للدولة، إلى مقرات للتخويف والبلطجة؟ كيف تجرؤ الحكومة على التباهي بالعاصمة الإدارية وناطحات السحاب، بينما صورتها في الخارج هي صورة "الشومة"؟
خلاصة الفضيحة
الحكومة المصرية لم تعد تكتفي بخنق الأصوات في الداخل، بل تحاول إسكاتها في الخارج بأساليب تثير الضحك والعار في آن واحد. هذه الممارسات تضع مصر في خانة الدول الفاشلة التي تحكمها العصا لا القانون، وتكشف أن من يحكم اليوم لا يعرف سوى لغة القمع، حتى لو كان الثمن هو تشويه سمعة مصر أمام العالم كله.