صدر مؤخرًا تقرير إسرائيلي بعنوان "العزلة الدولية والتهديدات الأمنية والركود السياسي: إسرائيل في حالة ركود خطير"، في واحدة من المرات القليلة التي يعترف فيها إعلام الاحتلال صراحةً بالأزمات المتداخلة التي تواجهها "الدولة العبرية"، سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي.
ويظهر في التقرير أن ما يحدث ليس مجرد اعتراف بالأزمات، بل هو دليل دامغ على تراجع مكانة إسرائيل عالميًا، وتصاعد قوة المقاومة كفاعل سياسي وعسكري وشعبي في المشهد الإقليمي والدولي.
العزلة الدولية.. تحوّل تدريجي من التطبيع إلى التجريم
1. فشل محاولات التطبيع المستدام
بين عامي 2020 و2022، راهنت إسرائيل على موجة "اتفاقات أبراهام" كمدخل لإنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي وفرض "سلام اقتصادي" يكرّس التطبيع دون حل عادل للقضية الفلسطينية.
لكن العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة والضفة والقدس، ثم المجازر اليومية في حرب غزة منذ أكتوبر 2023، قلب المعادلة رأسًا على عقب:
تعطلت خطوات التطبيع مع عدد من الدول (مثل السعودية وإندونيسيا).
جمدت بعض الدول اتفاقيات سابقة (كسحب سفراء، أو تقليص التعاون).
ازدادت حملات المقاطعة الشعبية والحقوقية ضد الاحتلال.
2. قرارات دولية تُدين إسرائيل
الجمعية العامة للأمم المتحدة ناقشت أكثر من 25 قرارًا ضد الاحتلال منذ بداية الحرب الأخيرة.
دول أوروبية مثل إيرلندا وإسبانيا وبلجيكا بدأت بقرارات حظر تصدير الأسلحة.
حتى في أمريكا اللاتينية، قطعت بوليفيا العلاقات بالكامل، واستدعت تشيلي وكولومبيا سفراءهم.
تفنيد مزاعم إسرائيل:
حين تقول إسرائيل إنها "في عزلة"، فهي لا تُبالغ. لكن ما لا تقوله هو أن هذه العزلة جاءت نتيجة مباشرة لجرائمها بحق المدنيين، واستخدامها المجنون للقوة، واستهدافها للبنية التحتية الصحية والتعليمية في غزة، وليس مجرد "تحامل دولي" كما تزعم.
تهديدات أمنية غير مسبوقة
التقرير الإسرائيلي يُشير إلى "تصاعد التهديدات الأمنية على الحدود الشمالية والجنوبية"، لكنه يتجاهل أو يُقلل من أهمية التحولات النوعية في العمل المقاوم:
1. المقاومة الفلسطينية.. تطور مذهل في التكتيك والتأثير
كتائب القسام وسرايا القدس أثبتت قدرة غير مسبوقة على إيقاع الخسائر في قوات الاحتلال.
تكتيكات استدراج القوات الخاصة إلى كمائن، واستهداف ناقلات جند بعبوات نوعية، خلقت رعبًا ميدانيًا غير مسبوق.
توثيق المقاومة لعملياتها ونشرها للعالم ساهم في هزيمة إسرائيل إعلاميًا ومعنويًا.
2. الجبهة الشمالية.. حزب الله في معادلة الردع
الهجمات اليومية لحزب الله على المستوطنات والمواقع العسكرية دفعت عشرات آلاف المستوطنين للنزوح.
استخدام صواريخ دقيقة ومسيرات ضرب العمق الإسرائيلي دون رد حاسم.
القبة الحديدية فشلت في اعتراض كثير من القذائف.
ويمكن تلخيص ذلك في إن إسرائيل اليوم لم تعد قادرة على العمل بحرية دون ردع. المعادلة تغيرت تمامًا. صواريخ المقاومة، وتكتيك الأنفاق، والحرب النفسية، جعلت الاحتلال في موقف دفاعي دائم.
"الركود السياسي".. انفجار داخلي على الأبواب
يستعرض التقرير أزمة "الركود السياسي"، في إشارة إلى:
تعمق الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية (بين نتنياهو وبن غفير، وبين الجيش والمستوى السياسي).
احتجاجات عشرات آلاف الجنود وعائلاتهم للمطالبة بإعادة الأسرى.
تزايد الضغط على نتنياهو بسبب رفضه وقف الحرب رغم الخسائر المتزايدة.
لكن ما يغفله التقرير هو أن هذا الركود يعكس:
1. انكشاف كذب المؤسسة الإسرائيلية
فقدان الثقة في رواية الجيش حول السيطرة أو "النصر القريب".
فشل ترويجات "أهداف الحرب" رغم مرور أكثر من 300 يوم.
عدم قدرة حكومة الاحتلال على إدارة توازن بين الحرب والأمن الداخلي.
2. المعارضة تتغذى على خسائر الحرب
شخصيات مثل يائير لابيد وغانتس يُهاجمون الحكومة علنًا.
انتقادات غير مسبوقة من قادة سابقين في الموساد والشاباك والجيش.
تفنيد مزاعم "استقرار إسرائيل":
لم تعد إسرائيل تُدار كدولة موحدة القرار. بل أصبحت منقسمة بشدة داخليًا، وهذا الركود السياسي ليس فقط فشلًا إداريًا، بل نتيجة مباشرة لصمود المقاومة الفلسطينية، التي أدت لشلل حكومة نتنياهو سياسيًا وشعبيًا وعسكريًا.
أين الحق الفلسطيني من كل هذا؟
التقرير الإسرائيلي يرى أن إسرائيل "مهددة"، لكنه لا يعترف بأن هذه التهديدات ناتجة عن نضال مشروع ضد الاحتلال. من المهم في هذا السياق إعادة التأكيد على:
1. صعود شرعية المقاومة
في كل بقاع الأرض، يتم الربط بين مقاومة الشعب الفلسطيني وبين حركات التحرر السابقة.
بات واضحًا أن الاحتلال هو الطرف المعتدي دائمًا، وأن حق الدفاع عن النفس يشمل الفلسطينيين.
الحراك الطلابي والنقابي في أمريكا وأوروبا أحرج أنظمة داعمة لإسرائيل.
2. انكشاف جرائم الاحتلال
منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية صنّفت إسرائيل كدولة فصل عنصري.
توثيق المجازر، خاصة في غزة، حوّل الرأي العام العالمي ضد إسرائيل.
ملايين حول العالم خرجوا في مظاهرات دعمًا لغزة، وليس لأي جهة أخرى.
نحو واقع جديد… ما بعد التفوق الإسرائيلي
إذا كان التقرير يعكس خوفًا إسرائيليًا حقيقيًا من العزلة والانهيار، فإن المطلوب هو:
تعميق أدوات المقاومة:
سياسيًا: توحيد الخطاب الفلسطيني دوليًا عبر المؤسسات.
عسكريًا: مواصلة استنزاف الاحتلال.
إعلاميًا: الاستثمار في الوثائق والشهادات والمبادرات الحقوقية.
فضح "التهويل الإسرائيلي":
الاحتلال يحاول استعطاف الرأي العام بادعاءاته عن العزلة والتهديدات، بينما هو المعتدي والقاتل.
الضغط الإعلامي يجب أن يُظهر أن الضحية الحقيقية هي غزة والضفة والقدس، لا حكومة نتنياهو.
بين اعتراف الاحتلال وهزيمته
ما ورد في التقرير الإسرائيلي ليس سوى صرخة ضعف مكتومة، تحاول لفت الأنظار إلى ما تعانيه إسرائيل دون الاعتراف الكامل بأن المقاومة الفلسطينية هي السبب الجوهري لكل ما يحدث.
حين تشتكي إسرائيل من العزلة والركود والانهيار السياسي والأمني، فإنها تُقر – دون أن تقصد – بأن الحق الفلسطيني بدأ ينتصر. وكل يوم صمود جديد في غزة، وكل عملية نوعية في الضفة، وكل طلقة مقاومة في الجنوب اللبناني، هي خطوة جديدة نحو كسر هذا الاحتلال.