في نداء مؤلم يتجاوز إطار الشكوى الشخصية ليُصبح صرخة حقوقية، كشفت زوجة الدكتور محمد البلتاجي –القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين، والمعتقل منذ عام 2013– عن تدهور خطير في حالته الصحية داخل محبسه، وتعرضه للتنكيل والحرمان من العلاج، وسط ظروف اعتقال وصفتها بـ"اللا إنسانية" و"الممنهجة في القتل البطيء".
رسالة الزوجة أعادت تسليط الضوء على واحدة من أكثر القضايا المؤلمة في مصر منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013، وهي قضية الإهمال الطبي والتنكيل المنظم بالسجناء السياسيين داخل السجون، لا سيما الشخصيات المعارضة والرموز الوطنية التي تم تغييبها عن الحياة العامة في زنزانات انفرادية.
رسالة زوجة البلتاجي
وكتبة السيدة سناء عبدالجواد "علمت ان زوجي د البلتاجي : ساءت حالته الصحية نتيجة الاضراب الكلي عن الطعام، وانخفض السكر وضغط الدم كثيرا، ودخل فى حالة إغماء طويلة، فما كان منهم إلا ان نقلوه منفردا الى زنزانة بعيدة عن قطاع السجناء، حتى سمع السجناء صوتا مكتوما من بعيد فظلوا يطرقون على الابواب حتى نقل الى قريب منهم".
وحملة زووجة البلتاجي النظام الانقلابي المسئولية الكاملة عن سلامة زوجها الصحية والبدنية، مؤكدة إنه ليس رقم ، وان وراءه عائلة وطلاب ومحبين كثر مطالبة بفتح الزيارة حتى نطمئن .
https://www.facebook.com/snaa.abdalgwad/posts/3020273484844469
محمد البلتاجي.. من البرلمان إلى الزنزانة
الدكتور محمد البلتاجي ليس مجرد معارض سياسي، بل واحد من أبرز رموز ثورة 25 يناير، وقيادي معروف ببلاغته وشجاعته ومواقفه الوطنية.
كان عضوًا بمجلس الشعب المنتخب عام 2012 عن حزب الحرية والعدالة، وأحد الأصوات الحماسية التي واجهت الاستبداد، وأيدت الثورة ضد نظام حسني مبارك.
لكن منذ الانقلاب العسكري في 2013، بات البلتاجي رمزًا آخر من رموز القمع والتنكيل السياسي، إذ حُكم عليه بعدة أحكام بالسجن المؤبد، وظل يتنقل بين القضايا والاتهامات التي تم وصفها مرارًا بأنها "ملفقة، وكيدية، وتفتقر لأدنى درجات العدالة".
رسالة الزوجة.. كشف للجرائم لا مجرد شكوى
زوجة الدكتور البلتاجي، في بيان مؤلم تم تداوله على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، قالت:ى"زوجي يُعاني من تدهور في صحته، ولا يحصل على الحد الأدنى من الرعاية الطبية. يتم عزله بشكل تعسفي، ويُمنع من التريض والزيارات بشكل شبه دائم. لم يُعرض على طبيب رغم تدهور حالته، ويتعرض لتنكيل متعمد".
وأضافت: "أحمل النظام المصري، وإدارة السجن، ووزارة الداخلية، المسؤولية الكاملة عن سلامة الدكتور محمد البلتاجي".
هذا التصريح لا يُمثل صرخة زوجة فقط، بل يُجسد مأساة وطن كامل فقد إنسانيته في تعامل الدولة مع معارضيها، حتى أولئك الذين تقدم بهم العمر وداهمهم المرض خلف القضبان.
"موت بالبطيء".. الإهمال الطبي وسيلة قمع جديدة
ليس محمد البلتاجي الحالة الوحيدة، بل هو واحد من مئات بل آلاف المعتقلين السياسيين الذين يُعانون من الإهمال الطبي المتعمد داخل السجون.
تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية (مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية) وثقت عشرات الحالات التي تُوفي أصحابها داخل السجون نتيجة عدم تلقيهم العلاج، منهم:
الرئيس الشهيد الدكتور محمد مرسي: الذي سقط مغشيًا عليه في قاعة المحكمة بعد حرمانه من الأدوية.
المرشد العام محمد مهدي عاكف: تُوفي في السجن عن 89 عامًا بعد حرمانه من العلاج.
الدكتور عصام العريان: تُوفي بعد إهمال حالته الصحية بشكل فاضح.
الدكتور الكهل عبد المنعم أبو الفتوح: يعاني من أزمات قلبية متكررة دون أي رعاية.
ويُضاف إلى هؤلاء الآلاف من المعتقلين المجهولين، الذين لا يعرف عنهم أحد شيئًا، ويُتركون ليموتوا ببطء داخل الزنازين، في صمت مريب من المجتمع الدولي.
السجون.. مقابر للأحياء لا أماكن إصلاح
ما كشفته زوجة البلتاجي لا يدين فقط إدارة السجن أو ضابطًا بعينه، بل يُدين منظومة كاملة أفرغت السجن من وظيفته الأصلية كمكان تأهيل إلى مكان انتقام وتصفية جسدية ونفسية.
سجون مصر اليوم لم تعد فقط تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة، بل تحولت إلى غرف تعذيب نفسي وجسدي ممنهج، من خلال:
العزل الانفرادي لشهور وسنوات.
الحرمان من العلاج.
منع الزيارة.
مصادرة الكتب والملابس وحتى الأغطية.
الإهانات اليومية من الضباط والسجانين.
تجاهل أي شكوى أو استغاثة.
البلتاجي.. نموذج للثبات وسط الجحيم
رغم السنوات الطويلة في الزنازين، فقد بقي الدكتور البلتاجي ثابتًا، يواجه الظلم بصبر وشجاعة.
في محاكماته المتكررة، وقف كثيرًا ليؤكد أن ما يتعرض له "ليس مجرد سجن، بل محاولة لكسر الروح وتجريد الإنسان من إنسانيته"، مشيرًا إلى أنه ممنوع من كل حقوقه، ولا يُسمح له حتى بمصافحة أبنائه.
لكن ذلك لم يثنه عن إدانة الانقلاب، والدفاع عن الثورة، والتمسك بمبادئه رغم ما لاقاه من تعذيب، وخسارة شخصية فادحة بوفاة ابنته أسماء البلتاجي التي قُتلت خلال مجزرة رابعة.
صمت رسمي.. وجريمة مستمرة
كالعادة، لم يصدر أي تعليق رسمي من مصلحة السجون أو وزارة الداخلية أو أي جهة قضائية على تصريحات زوجة البلتاجي، كما تجاهلت وسائل الإعلام المحلية الخبر، بل عمد بعضها إلى تشويهه أو السخرية منه.
لكن هذا الصمت لا يُخفي الحقيقة، بل يُعريها أكثر: هناك إرادة سياسية واضحة لإسكات كل صوت معارض، ولو كان ثمن ذلك هو تدمير الإنسان نفسيًا وجسديًا داخل محبسه.
القانون والدستور.. حبراً على ورق
القانون المصري يُلزم الدولة بتوفير الرعاية الصحية للمحبوسين، لكن ما يحدث فعليًا هو العكس:
لا يُعرض السجين على طبيب إلا بعد معركة قضائية.
لا تُنفذ توصيات العلاج.
يُمنع أهله من إدخال الأدوية.
وغالبًا يُعامل طلب العلاج كأنه "ترف"، أو وسيلة ضغط يستخدمها النظام لإخضاع المعتقل.
المجتمع الدولي.. تواطؤ بالصمت
ما يزيد الجريمة بشاعة هو صمت المجتمع الدولي، والمنظمات التي تتغنى بحقوق الإنسان، لكنها تغض الطرف عن أكبر مقبرة للمعتقلين في العالم العربي.
فهل حياة محمد البلتاجي، أو ، أو أبو الفتوح، أقل قيمة من أي ناشط غربي؟ أم أن ما يحدث في السجون المصرية يدخل في نطاق "المصالح الاستراتيجية" التي تسمح بغض البصر عن القمع إذا كان الحاكم "متعاونًا أمنيًا"؟
وأخيرا فإن الرسالة التي أرادت زوجة الدكتور البلتاجي إيصالها، تتجاوز مجرد تحذير من تدهور صحة زوجها، بل هي صرخة إنسانية ووطنية تقول: "لا تتركوا الشرفاء يموتون في الزنازين، لا تنسوا من وقفوا معكم في الميادين، لا تسمحوا للطغاة بتحويل السجون إلى مقابر بلا ضجيج".
ولأن الدكتور البلتاجي نفسه قال ذات مرة: "قد يسجنون الجسد، لكنهم لا يستطيعون سجن المبادئ"،
فإن من واجب كل صاحب ضمير أن يرفع صوته اليوم، دفاعًا عن المعتقلين، لا من باب العاطفة، بل من باب الواجب الإنساني والوطني.